آراء وتحليلات

رمضان في بلاد المهجر

دكتور / السيد مرسى

حين يحلّ شهر رمضان في بلاد المسلمين، تتزين الشوارع بالفوانيس، وتفوح رائحة الطهي من كل بيت، ويشعر الناس بقدسية الزمن واختلاف الأيام ، أما هناك حين يحلّ رمضان في بلاد الفرنجة – أي بلاد الغرب – فالقصة لها نكهة مختلفة تمامًا ، يحضر ويمضى الشهر الكريم كزائرٍ خجول، يطرق أبواب القلوب أكثر من أبواب المدن، يمشي متلفّعًا بالغربة، حيث لا أحد يعلم أنك صائم إلا إن أخبرتهم، ولا أحد يخفض صوت الموسيقى احترامًا للخشوع، ولا تجد المسلسلات الرمضانية الماجنة تتنافس على الشاشات ، الشمس تشرق وتغيب وفقًا لتوقيتها المعتاد، لكنها أحيانًا تُصبح أكثر صرامة في رمضان، فتطول ساعات الصيام لتصل إلى 18 ساعة في بعض المدن، وكأنها تقول: “لن أجعل الأمر سهلاً عليكم!”. رمضان هنا موسمًا للحياة، يُعلن حضوره من أول نفحة مسكٍ في المساء، من أول دعاءٍ ترتّله الجدة في المطبخ ، من أول طبق شوربة يفيض بالدفء. أما هناك فكل شيء يمضي كما هو… الأيام تتابع رتابتها، والشوارع لا تلبس جديدها، والمساءات لا تعرف نكهة السمر بعد صلاة التراويح ، لكن يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على الروح الإيمانية وسط زخم الحياة السريعة. فلا أحد يؤخّر دوامه من أجل السحور، ولا أحد يذكّرك بصلاة التراويح، ولا تجد صوت المؤذن يصدح من المئذنة عند الإفطار. أنت وحدك في المعركة، بين تقويم الصلاة وتطبيقات التذكير، وبين عبء العمل والحنين إلى الوطن ، يظل هنا رمّانًا من الحنين، تنفرط حباته بين القلب والذاكرة، ونحاول أن نزرع فيه الوطن من جديد، كل ليلة، على سجادة صلاة صغيرة، وأملٍ كبير.”

ورغم الغربة، يبذل المسلمون جهدًا مضاعفًا ليشعروا بروح رمضان. فتتحول البيوت إلى مساحات دافئة صغيرة تحتضن الأجواء الرمضانية، وتقام موائد إفطار جماعية في المساجد والمراكز الإسلامية، حيث يلتقي الناس من شتى الجنسيات على تمر وحساء و كلمات طيبة، و تلك الروح التشاركية: المسلم البنغالى يطبخ للمغربي، والجزائري يجلب الحلوى للتونسي، والباكستاني يعلّم الطفل الصومالي كيف يُمسك عن الطعام لأول مرة، رمضان هناك ليس مجرد صيام فقط ، بل مناسبة لإحياء روابط المجتمع، والتذكير بالهوية،

ويظل رمضان في الغربة حالة خاصة. ليس كما نريده، لكنه كما نحتاجه… بسيط، هادئ، خاشع، يربينا على الصبر، ويعلّمنا كيف يكون الإيمان شعلة تُضيء داخلنا، حين يُغلق الخارج أبوابه، هو شهر نُقيمه داخلنا، بكل ما أوتينا من شوق ، فحين يصمت العالم من حولنا ، نردّد همسًا: اغنية عبد المطلب : رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان غنوا وقولوا شهر بطوله غنوا وقولوا اهلا رمضان .

الى اللقاء: دكتور / السيد مرسى

 

مقالات ذات صلة