آراء وتحليلات

فى ذكرى مجزرة بحر البقر.. من دماء أطفال مصر إلى جراح أطفال غزة

 

بقلم /سهام عزالدين جبريل

لا زلت أتذكر هذا اليوم لقد كان صباحٍ يوم 8 أبريل عام 1970، كان صباحا غائما معتما امتلأ بالحزن والألم حين استهدفت الطائرات الإسرائيلية مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة في محافظة الشرقية بمصر، في جريمة هزّت الضمير الإنساني. كان الأطفال يجلسون على مقاعدهم، يتعلمون الحروف ويكتبون دروسهم فى رحاب المدرسة اطفال ابرياء كلهم امال واحلام، ترجو أن يكون المستقبل افضل واجمل قبل أن تحولهم قنابل وصواريخ العدو إلى أشلاء مبعثرة تحت أنقاض فصلٍ دراسي تحوّل إلى قبر جماعي.
لقد أصبحنا على خبر هذه الجريمة التى تمت في وضح النهار حيث اسفرت الغارة عن استشهاد 30 طفلًا، وإصابة أكثر من 50 آخرين. المبنى المكوّن من طابق واحد دُمّر تمامًا، وتحولت الحقيبة المدرسية إلى شاهد على وحشية لا تعرف للطفولة حرمة ولا للبراءة إنسانية فى قلوب العدو لم تكن تلك المجزرة عملًا عشوائيًا، بل كانت جزءًا من سياسة ممنهجة استهدافها العدو خلال حرب الاستنزاف، بغرض بث الرعب وكسر الإرادة الوطنية بعد انتصارات الجيش المصرى فى حرب الاستنزاف والمواجهة على طول خط القناة حيث اخليت مدن القناة من السكان وتم تهجير أهل القناة إلى خط مابعد جبهة القتال فى المحافظات الظهيرة لمحافظات القناة مثل الشرقية ودمياط والمنصورة وغيرها من محافظات سرق ووسط الدلتا
فكانت الضربة استهداف الاطفال الأبرياء الامنين
فى مدارسهم فكانت مجزرة مدرسة بحر البقر بمركز الحسينية بالشرقية وهى المدرسة الأقرب لمحافظة الإسماعيلية ولذا وجب ألتأكيد على أن توثيق هذا الحديث سيظل شاهدا على بشاعة الجريمة ويظل حجة أمام الضمير العالمى لحروب إبادة الاطفال الامنين ,
ولقد خلدت السينما المصرية هذه المجزرة في الفيلم التسجيلي “مدرسة بحر البقر”، إخراج عاطف الطيب، الذي عرض المشاهد الحقيقية للدمار والدموع، ونقل بكاء الأمهات وصراخ الناجين إلى الذاكرة وقامت الجمعية المصريةاد للإعلام العربي آنذاك سخّرت صفحاتها لفضح الجريمة، بينما اكتفى المجتمع الدولي ببيانات “الأسف” الباردة.
واليوم مانراه يؤكد بشاعة العدو مهما تغير الزمان ومضت الأيام فالدم لا يجف… من بحر البقر إلى غزة،
واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يتكرر المشهد ذاته في غزة، ولكن على نطاق أوسع ومرعب. أطفال غزة يُذبحون في مدارسهم، يُدفنون أحياءً تحت ركام منازلهم، في ظل صمت دولي مخزٍ. نفس الطائرات، وابناء وأحفاد نفس القتلة، ونفس المأساة تتكرر . أن أحداث هذه الأيام التى تدور فى غزة اراها كأن أطفال بحر البقر وُلدوا من جديد في غزة، ليُقتلوا مرة أخرى في مشهد لا يعرف نهاية والى متى تستمر المأساة
لكن رغم كل هذا و كما لم تنكسر مصر رغم جراحها، فإن غزة اليوم تقف شامخة ولن تنكسر وسط الدمار، لتُعلم العالم أن الطفولة قد تُذبح، لكنها لا تموت. ستظل مجزرة بحر البقر جرحًا مفتوحًا، ليس فقط في ذاكرة المصريين، بل في ضمير كل إنسان حر، يرفض أن يعتاد رؤية الدم.
نعم تذكرنى هذه الأيام الصعبة بما نراه اليوم ومايحدث مع أطفال غزة واستحضر ذلك اليوم من ٨ ابريل عام ٧٠ ١٩م كى أتذكر كيف خرجنا يومها ونحن فى مدارسنا وتحت وطأت الاحتلال البغيض خرجنا نبكى ونصلى لأرواح شهداء من اطفال جيلنا وننشد اغنية باحبك يابلادى ،
وكبرنا اليوم اطفال الامس أصبحوا اليوم آباء واجداد ولكن الحدث مازال راسخا فى الوجدان ومازالت انشودة اطفال جيلنا اطفال مدرسة بحر البقر نرددها وتنقلها للأجيال حتى نقف أمام مجازر الإبادة وصناع الحروب من يغتالون المستقبل بلا إنسانية ولا ضمير
أنها أنشودتنا المستوحاة من مجزرة مدرسة بحر البقر، بصيغة طفولية بريئة
“مدرستي يا بلادي… أنا بحبك يا بلادى
مدرستي يا بلادي… أنا بحبك يا بلادي
كنت بروحك بدري… بشيل كراستي في إيدي
أحلم أكتب وأرسم… وأغني بأعلى صوتي
وأقول لكل الدنيا… أنا مصري من حياتي
بس الطيارة جت فجأة… ما فرّقتش بينا
ضربت مدرستنا… وأخدت أحبابنا منّا
صاحبي اللي كان جنبي… غاب وما رجعش تاني
وبقيت لوحدي ساكت… بس الدمع في عيوني
يا بلادي يا حبيبتي… لو جرحوني ما تزعليش
دمنا على ترابك… عمره ما يضيع ويعيش
يا نيلنا احكي عنّا… قول للدنيا الحكاية
إن الطفل في مصر… قلبه نار ووصاية

أنا هرجع مدرستي… وهكمل حلمي فيها
واكتب بالألم دا… “مصر حرة وأمان ليها”
واللي ضربنا جبان… عمره ما ينسى الأذى
لإن الحق باين… حتى لو الدنيا أذى

هكذا تمر السنوات ويظل التاريخ شاهدا على مجازر المعتدين الطغاة وتظل أرواح الشهداء امال تبشر بالنصر مهما طالت المعاناة

خالص تحياتى
د/سهام عزالدين جبريل

مقالات ذات صلة