آراء وتحليلات

يوم التراث العالمي وأبعاده في تعزيز الأمن القومي الثقافي لمصر

 

بقلم: / سهام عزالدين جبريل

في السابع عشر من أبريل من كل عام، يحتفل العالم بـ”يوم التراث العالمي”، وهو مناسبة تذكيرية بقيمة التراث في بناء الهوية، وترسيخ الوعي، وتشكيل الشخصية الوطنية وتأتي هذه المناسبة في سياق بالغ الأهمية بالنسبة لمصر، الدولة التي تمتلك واحدة من أغنى الخزائن الحضارية في العالم. وفي ظل التحديات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي يشهدها العصر الحديث، يكتسب مفهوم “الأمن القومي الثقافي” أهمية متزايدة باعتباره حائط الصد الأول أمام محاولات الطمس والتغريب، وأحد أذرع القوة الناعمة للدولة.
ويمثل الأمن القومي الثقافي: ضرورة هامة فالأمن الثقافي لاينفصل عن الأمن القومي، بل هو أحد مكوناته الأساسية، لأنه المعني بصيانة الوعي الوطني، والحفاظ على الذاكرة الجمعية من التزييف أو الإقصاء. وتُعد الثقافة الحاضنة الأولى للقيم، والعادات، والمفاهيم التي تُشكل العقل الجمعي، وتصوغ توجهات المجتمع. من هنا، يصبح الحفاظ على التراث، وتعزيز الثقافة الوطنية، ضرورة استراتيجية لا ترفًا فكريًا.
و يمثل التراث المصري أحد مقومات القوة الناعمة الممتدة للدولة المصرية والذى يمتد بجذورة الضاربة فى عمق التاريخ فالتراث المصري أنتج خلاصة إنسانية امتدت عبر آلاف السنين، من الحضارة الفرعونية، إلى القبطية، ثم الإسلامية، وصولًا إلى التراث الشعبي الحديث، في مزيج فريد يُعبّر عن الاستمرارية والتنوع. ويشمل هذا التراث عدة محاور هامة فهناك التراث المادي الذى يتمثل فى : الآثار، المعابد، المتاحف، العمارة التاريخية.
الى جانب التراث اللامادي المتمثل فى : الممارسات الحياتية للمجتمع وما انتجة من الحرف التقليدية، الفنون الشعبية، العادات، التقاليد المأثورات، والموسيقى الى جانب التراث الملبسى للسكان النابع من طبيعة المجتمع
وقد شكّل هذا التراث أداة فعالة في الدبلوماسية الثقافية، وجذب أنظار العالم إلى مصر كحاضنة للتاريخ الإنساني، ومرتكز أساسي لهويتها العالمية.
*التحديات التي تواجه الأمن الثقافي في مصر:
وبرغم هذا الغنى والثراء الذى يتمتع به التراث المصرى بتنوعة ونماذج مفرداته التى تختلف فى البيئات المصرية من إقليم إلى إقليم ، يواجه الأمن الثقافي المصري عدة تحديات، منها:
الغزو الثقافي والعولمة الإعلامية.
التهميش أو الإهمال لبعض المناطق ثقافيًا.
قلة الوعي لدى فئات من المجتمع بأهمية التنوع الثقافي.
ضعف التمويل والدعم المؤسسي للأنشطة الثقافية في الأقاليم.
التنوع الثقافي في مصر: ثروة وطنية
تُعد مصر نموذجًا فريدًا للتعدد الثقافي، حيث تضم كل إقليم من أقاليمها ثقافة فرعية تُغني الهوية الوطنية فنرى ذلك التنوع الرائع فى المحافظات والإقاليم المصرية كمايلى :
فتجد فى الصعيد: متاحف التراث ونماذج الحضارة الفرعونية إلى ذلك الاىث الانسانى من تراث شعري وموسيقي وملاحم شعبية تكرّس مفاهيم الكرامة والانتماء.
وفى النوبة بلاد الذهب : نجد ثراء ثقافة فنية ولغوية تعكس التسامح والتنوع، وتثري المشهد المصري.
وفى سيناء ترى صفحات التراث تجمع : التراث الملبسى المميز والعادات والتقاليد الذى يميز وجه مصر العربي الاصيل والعادات الأصيلة والقيم البدوية، والشعر الشفاهي، والدور الوطني لأهلها في حماية الحدود حيث يعتبرون أنفسهم حماة الأمن القومى
وفى الدلتا والوجه البحري:حيث الخير والنماء والزراعة التى على أصل الحضارة وبداية استقرار المجتمعات الإنسانية والتى أنتجت عادات والاستقرار والارتباط بالزرع والأرض وما افرزتة من الفنون الفلكلورية والتقاليد الزراعية المتصلة بالأرض.
وفى الواحات والصحراء الغربية:حيث تنوع فريد يحمل وجه مصر الأفريقى حيث الثقافة الأمازيغية، والعلاقة الفريدة الغنية بالطبيعة والعيون المائية .
تنوع ثقافى رائع ولوحة منسوجة من فسيفاء الوطن يمثل ثراء ثقافى قلما يوجد فى دول اخرى
ومن هنا اجد أنه لابد أن يكون هناك دور هام للمؤسسات الثقافية والإعلام والتعليم:
فى تعظيم ادوات الدعم والدمج الثقافي للاقاليم الثقافية
حيث تعد المؤسسة الثقافية هى المظلة اتى يمكن أن تساهم فى عملية التوثيق للمفرد التراثى المصرى ودمجه فى المكونات الثقافية من خلال أنشطة وقوافل وزارة الثقافة وفعالياتها فى الإقاليم الثقافية كمؤسسة حاضنة لثقافة المجتمع المصرى قادرة على أحداث الدمج وإبراز التميز والتنوع المميز لكل إقليم بما يخلق حالة التوافق والترابط بين الثقافات الفرعية داخل الوطن مما يخلق حالة من الحب والولاء الوطنى والترابط واحترام الثقافات بين أبناء الإقاليم المصرية
كما يمثل الإعلام أداة رئيسية في تشكيل الوعي المجتمعي، ومن هنا تنبع مسؤوليته في تقديم المحتوى الثقافي العميق والمتنوع. من خلال توثيق الفنون الشعبية، تسليط الضوء على المبادرات التراثية، وإبراز القصص والحكايات المحلية، كما يمكن للإعلام أن يصبح منصة توحيد وإدماج، لا تهميش وتكرار نمطي.
ويأتى الدور الهام للتعليم:
حيث تلعب المؤسسة التعليمية دور محوري في ترسيخ مفاهيم الانتماء والتعدد وقبول الآخر. ويمكن ذلك من خلال:
إدراج التراث المحلي في المناهج التعليمية.
تنظيم رحلات ميدانية للطلاب إلى المناطق التاريخية.
دعم الأنشطة المدرسية التي تعزز الهوية الثقافية مثل المسرح والموسيقى.
دمج رموز من الثقافات المحلية في المقررات والمناسبات القومية.
إن يوم التراث العالمي ليس مجرد مناسبة للاحتفال بالماضي، بل فرصة لإعادة قراءة التراث كرافعة للمستقبل. فمصر، بما تملكه من تنوع ثقافي وثراء تراثي، تستطيع أن توظف هذا الإرث في دعم أمنها القومي، وصياغة عقل جمعي وطني جامع. وإذا كنا نؤمن بأن “القوة الناعمة” قادرة على صنع الفارق، فإن بوابة التراث هي مفتاحها الأصيل.

خالص تحياتى
د/ سهام عزالدين جبريل