
كلمة العدد 1416.. “الكيزان سبب الأزمة بالسودان”
يكتبها د. محمود قطامش
أزمة الحكم بالسودان ليست وليدة اليوم وليست وليدة الحرب بين الجيش والدعم السريع الأزمة ليس سببها أخطاء سياسية معزولة أو طارئة ولكنها نتيجة تحالف قديم ومستمر حتى اليوم بين المؤسسة العسكرية بالسودان والإخوان (الكيزان كما يطلق عليهم أهلنا بالسودان) وهو تحالف منذ عام ١٩٨٩ رسم ملامح الدولة السودانية تحول فيه السودان إلى ساحة صراع دائم بين منطق الدولة ومنطق الجماعة وتحول فيها الجيش السوداني من مؤسسة وطنية إلى ذراع تنفيذي لمشروع أيديولوجي لا يعترف بالدولة إلا بالقدر الذي ساعد على تمكينه ومنذ ذلك الوقت أصبح السودان مختطفا يدار بمنطق الولاء لا منطق المواطنة ولا تحتكم فيه الدولة إلى الدستور بل إلى فقه الضروره ولا تتحرك للمستقبل بل تغرق في حرب هويات ماقبل الدولة.
الأزمة بأختصار شديد هي أزمة مؤسسة عسكرية سارت مع المشروع الإخواني حتى تلاشت الفواصل والمسافات بين الثكنه والمنبر وبين السياسة والعقيدة وبين الوطن والجماعة وتلك هي المعضلة الكبرى التي لا يمكن الخروج منها إلا بالقطيعة الكاملة وفك الإرتباط العضوي بين الجيش والتنظيم الإخواني.
كانت القوات العسكرية السودانية أداة للسيطرة وضامنة للهيمنة، حيث تمت (برمجة) وهندسة الجيش ليصبح خادما لمشروع الجماعة لا حاميًا للدولة وكل المحاولات الحادثة اليوم للاصلاح والانتقال إلى حكم ديموقراطي تظهر نفس الحقيقة السابقة أن الجيش لازال اسيراً لتلك العلاقة التاريخية بينه وبين الإخوان ليجد نفسه دوما مثقلا بميراث من الولاءات والمصالح والعقائد الفاسدة والمشبوهة حتى يعاد انتاج الأزمة مرارًا وتكرارًا ……
هنا اصبح فك هذا الإرتباط ليس ترفا بل ضرورة وجودية لايمكن معها بناء دولة في ظل هذا التزاوج بين الجيش والإخوان (الكيزان) ولا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية أو أصلاح مؤسسي أو تنمية مستدامة مادام جهاز الدولة السودانية خاضعا لتحالف الثكنه والمنبر والحل في اعادة صياغة العقيدة العسكرية السودانية على أسس وطنية خالصة تلتزم بالدستور وتحترم القانون لا الشيخ ولا الحزب ولا الجماعة ولابد من إعادة هيكلة الجيش السوداني ليكون تحت سلطة الدولة ولابد من تفكيك شبكات التمكين والتخلص من أحمال الولاءات وعدم منح الامتيازات الاقتصادية ولابد من محاسبة من استغل الجيش السوداني في القمع أو التمكين أو الإثراء غير المشروع دون مواربة أو إستثناء وبعدها يتم اطلاق مشروع وطني جامع يعيد تعريف الدولة بوصفها أرضا لكل المواطنين وليست ساحة تصفيات وتؤسس إلى تعايش وطني سوداني لا يقصي أحد ولا يسقط هوية لصالح هوية أخرى.
نعم أنها مهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر، لكن التردد في اتباعها هو سبب الخراب وكل تاخر فيه تعميق للجراح ومزيد من النزيف الوطني ولا خيار للسودان إلا مواجهة الأمر بشجاعة ويحرر الجيش من عقدة الجماعة ويعيد الدولة إلى أهلها حتى يتمتع السودان وأهله بدولة تليق بتضحياته وحكم يحفظ كرامة أهله ويصونها.
ولكم التحية
محمود صلاح قطامش
[email protected]
مصر تلاتين