مقالات

فوضى غير خلاقة.. بقلم سوسن حجاب

تعيش بعض الدول العربية ومنذ فترة تمتد لعدة سنوات تحديدا منذ ما يُعرف بالربيع العربى، مرحلة من الفوضى كانت قد بشرت بها كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا وقتها ووصفتها بالفوضى الخلاقة!  ولا أدرى كيف يمكن أن تكون الفوضى خلاقة! إلا إذا كان المقصد هو أنها تؤدى إلا مزيد من التغلغل والتمكن والسيطرة من خلال القوى الكبرى التى تتحكم فى مقدرات الدول والشعوب وهذا التمكن والسيطرة هو القدرة الخلاقة لديهم هم وليس لدى الدول التى نعمت بالربيع أقصد الخريف العربى الأسود الذى يشبه الزلزال وما زلنا نعيش توابعه حتى الآن فى سوريا والسودان وليبيا وتونس ولبنان والعراق واليمن ويلقى بظلاله القاتمة على باقى الدول، يحزننى جدا ما حدث ويحدث فى ليبيا التى هى امتداد مصر وأمنها الغربى والتى كانت بوادر الانقسام قد ظهرت من عدة سنوات، وأذكر حادثة هى من العجائب فى اعتقادى ففى منطقة شرق ليبيا أُعلن ثبوت رؤية هلال رمضان أما غرب ليبيا فقد أُعلن أن غدا هو المتمم لشهر شعبان وهما دولة واحدة وشعب واحد،!

ولكن لعن الله الفرقة والتشرذم والجهل الذى هو سبب كل ما نعانيه فى عالمنا العربى فليس بعد الجهل فقر كما يقول الحديث النبوى الشريف، ففى الوقت الذى تتوحد فيه دول الاتحاد الأوروبى مختلفة العملات واللهجات واللغات، نتفرق نحن داخل الدولة الواحدة كما خطط لذلك ومنذ سنوات طويلة أعداؤنا ومن بين هذه المخططات الخطيرة والتى يجب الانتباه لها أو كان يجب الانتباه منذ إعلانها ومعرفة أهدافها الخبيثة، مخطط موشيه شاريت ثانى رئيس وزراء لإسرائيل1953-1955 وبرنارد لويس مدرس التعليم العالى البريطانى الأمريكى وهو يهودى صهيوني، اتحدا فى التآمر والتخطيط للقضاء على قوة العرب وتمزيق وحدتهم ، وهم (العرب)الأمة ذات اللغة الواحدة والدين الواحد تقريبا والتاريخ العريق والجغرافيا الثرية، وكان المخطط تمزيق وتفتيت كل دولة على حدة وخاصة الدول المحورية الكبرى ذات المكانة والتأثير الجغرافى والتاريخ فكانت العراق التى كان المخطط لها أن تكون فيها دولة سنية ودولة شيعية ودولة كردية وربما دولة أيزيدية !

وليبيا كما نرى ويحدث الآن، وسوريا إلى ثلاث دويلات أما الجائزة الكبرى فهى مصر التى كان مخطط لها تقسيمها إلى خمس دويلات! والتى كان مخطط لها وما زال أن تكون الجائزة الكبرى ولكن هيهات فالشعب المصرى غير قابل للانقسام ويجب أن نعى جيدا وننتبه لهذا التخطيط الشيطانى
وكما نصح الأب أبناءه قديما فى أدبياتنا والتى حفظناها صغارا أن حزمة العصى يصعب تكسيرها أما العصا الواحدة فهى سهلة الكسر: تأبى العُصى إذا اجتمعن تكسرا فإذا افترقن تكسرت آحادا،
ولن يفيد الارتماء فى حضن الأعداء فهم الذئب المتخفى فى صورة الماعز الوديعة.

أتابع ما يحدث فى السودان وقلبى يدمى ألما فالسودان أيضا هو قطعة من قلب مصر النابض وروحها وأمنها الجنوبى، أو هذا شعورى نحو هذا البلد العريق الموصوم والموبوء بحفنة من أبناءه حتما لا يحبونه فمن يحب بلاده لا يدمرها ولا يغتصب بناتها وأطفالها ولا يقتل الأخ أخاه كما نرى فى صورة مأساوية مخيفة، وبمناسبة الانقسام أيضا منذ عدة سنوات ومع بداية الحرب فى السودان قرأت خبرا عجيبا على إحدى وسائل التواصل الاجتماعى عن شاب يناشد من يرى أو يتعرف على أخيه الأكبر المنضم للجيش السودانى أو أخاه الأصغر المنضم للدعم السريع يخبرهما أن أخيهما الأوسط قد رُزق بمولود جديد!

ثم رأيت وقرأت عن تدمير متحف السودان الكبير ونهبه!فى حادثة تُذكرنا بنهب وتدمير متحف بغداد وتدمير أثار تدمر فى سوريا ومحاولة سرقة المتحف المصرى فى التحرير أثناء ثورة يناير 2011،هؤلاء ليسوا مواطنين وطنيين شرفاء محبين لبلدهم،بل هم وأقصد طبعا من يدمر التاريخ أو يسرقه هو خائن حتى لو كان لا يعرف قيمة هذا التاريخ فالجهل خيانة ،ودائما أردد مع شوقى: بلادى وإن جارت علىّ عزيزةُ وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام،لو كانوا يحبونها ما كانوا ليدمروها ،لو كانوا يحبونها لحافظوا عليها ودافعوا عنها وآثروا على أنفسهم فى السعى إلى السلطة ،!إذ كيف وأى بلد سيحكمون بعد ذلك وبأى عين سيواجهون شعبهم المسكين الذى يُقتل كل يوم بيد أبناءه والدخلاء من الخونة والعملاء.

مع تحياتي
سوسن حجاب