
سيدات القمر لـ جوخة الحارثى تفوز بالمان بوكر الدولية فى 2019.. ما حكايتها
فى مثل هذا اليوم 20 مايو عام 2019 فازت الروائية العمانية جوخة الحارثى بـ جائزة مان بوكر الدولية عن روايتها “سيدات القمر” لتصبح أول شخصية عربية تفوز بالجائزة المذكورة، وفى ضوء ذلك نستعرض لكم عن ماذا تدور الرواية.
تدور أحداث رواية “سيدات القمر” فى قرية عوافى العمانية الخيالية وتتقاطع الرواية بشكل كبير مع أحداث التاريخ العمانى بداية من حقبة الثلاثينيات حتى ثمانينيات القرن الماضى، ورغم تماسها مع التاريخ فإن الرواية لا تقدم لنا رصدًا تاريخيًا لتلك المرحلة لكنها عوضًا عن ذلك تقوم بتضفير التاريخ مع حكايات البطلات لنرى كيف تفاعلت النساء مع حركة تمدين السلطنة.
تحكى الرواية قصة ثلاث سيدات هن: مايا وأسماء وخولة، ومايا الشخصية النسائية الأولى التى تقدمها لنا الرواية هى فتاة تقع فى حب رجل من النظرة الأولى بعد أن تلتقى به فى مكان عام ولا تتمنى من الدنيا سوى أن تراه من بعيد فقط، إذ لا يسمح لها المجتمع أن تعيش قصة حب ولكن حتى حبها المكتوم بداخلها لا يستمر، إذ تخبرها أمها بخبر خطبتها لابن التاجر الذى تتزوجه فيما بعد وتسمى ابنتها الأولى “لندن” لأن الشاب الذى أحبته سافر إلى لندن، من خلال حكاية مايا وزوجها عبد الله تسرد علينا جوخة الحارثى الكثير من فلكلور السلطنة العمانية فى الماضى.
أما أسماء فهى تلك الفتاة التى انصاعت لتقاليد المجتمع وقررت الزواج بحثًا عن الأمان والطمأنينية وإرضاءً لمتطلبات الواجب الاجتماعى، وبالنسبة لشخصية خولة فهى فتاة تتمرد على أعراف المجتمع وترفض الزواج بانتظار حبيبها الفاشل دراسيًا فى كندا وحين يعود تتزوج منه لكنها تكتشف أنه كان على علاقة بامرأة أخرى فى كندا فتقرر الطلاق بعد عشر سنوات من الزواج.
وتطرح رواية “سيدات القمر” من خلال شخصيات الرواية الواقع الاجتماعى والثقافى للسلطنة والتحولات السياسية والعمرانية التى شهدتها عُمان وذلك عبر جيلين مختلفين؛ فعلى هامش شخصيات الرواية نكتشف بعض الحكايات عن مجتمع العبيد والإماء ومعاناتهم فى السفن التى حُشروا بداخلها بعد أن سرقوهم من الدول الأفريقية وباعوهم إلى التجار والشيوخ في الخليج ثم صدور قانون تحرير العبيد وهروب الكثير منهم إلى أماكن أخرى خارج السلطنة وبقاء الجيل القديم الذي ظل أسيرًا لفكرة العبودية كقدر، إذ نجد على هامش الأحداث علاقة بين والد الفتيات وإفريقية متحررة حيث شغفته حبًا إلى الدرجة التي جعلته يلقي عليها أشعار قيس بن الملوح ولكنه لم يتزوجها لأنها نسلها كان من الإماء في الماضي.
ترتكز رواية “سيدات القمر” على تعدد أصوات السرد إذ لم تعتمد على صوت سردي واحد لكنها اعتمدت على تقنية التعدد والتنوع وذلك وفقًا لحركة نظامية في عودة الزمن إلى الوراء وتقدمه للأمام، وقد ساهم تعدد أصوات الرواية في تقديم مختلف وجهات النظر وكسر أحادية الرؤية التي يقدمها السارد الوحيد لأحداث ووقائع الرواية.
وما بين تنوع الأصوات تنتقل حركة الحياة في الرواية من الهدوء والسكون حيث تتحدث مايا إلى صخب المدينة والعمران حين ينتقل السرد إلى ابنتها لندن التي تحب زميلها في الجامعة وتصمم – عكس أمها – على الارتباط به رغم الفوارق الطبقية الهائلة بينهما ولكنها تتركه في النهاية حين تكتشف خياناته المتكررة لها.
“ومن يحزن لحزني أنا؟” يظل هذا السؤال الذى تطرحه مايا معلقًا دون إجابة حتى تنتهى صفحات الرواية، فجميع بطلات العمل تعرضن للخذلان العاطفى، وجميعهن أُصبن بالفقد والهشاشة وجاءت الخيبة فى العشق كسمة مشتركة بينهن جميعًا وذلك لأن أغلب الشخصيات ظلت تبحث طوال الرواية عن شيء ناقص.. شيء مسلوب.. زمن ضائع وحياة لم تعد موجودة.
وربما لذلك غابت فكرة الصراع ببعده الصدامي عن الأحداث، فكل شخصية كانت تكابد بداخلها وتحفر في أعماقها حتى تحتل موقعًا فى الحياة، فالرواية وإن بدت أنها عمل مكرس للنساء غير أنها في الواقع تتجاوزهن وتستثمر الحكي في استنطاق التاريخ والانطلاق منه عبر المرأة في تشكيل عوالم درامية لواقع تمور تحت سطحه متغيرات كثيرة.