
جابر طلبة وكلمة وفاء
في ليلةٍ هادئة، بينما كنتُ مستلقيًا على سريري قبيل النوم، جال بخاطري شريط الذكريات، وتذكرت أساتذتي الذين كان لهم الفضل الكبير عليّ، بدءًا من شيخي في الكُتّاب، وانتهاءً بأستاذي في مرحلة الدكتوراه. وكان من أبرز من مرّ بخاطري أ.د. جابر طلبة، Prof-Gaber Tolba العميد المؤسس لكلية رياض الأطفال بجامعة المنصورة، ومستشار وزير التعليم الأسبق.
تعرفت عليه أستاذًا رصينًا في كتاباته حين كنت أعدّ رسالة الدكتوراه، ولم ألتقه، وحين قرر أستاذي الراحل أ.د. همام بداروي زيدان -رحمه الله- تشكيل لجنة المناقشة، تصفح قائمة المراجع وقال: “الدكتور جابر طلبة هو الأنسب ليكون عضوًا خارجيًا في اللجنة.”
فسألته: “هل تعرفه يا دكتور؟”
قال: “لا، لكن كتاباته تدل عليه.”
ذهبت إليه في جامعة المنصورة لتسليمه نسخة من الرسالة، فوجدته مفعمًا بالحيوية والنشاط، محاطًا بجمعٍ من طلابه وطالباته، كأنما هو شمسٌ تحيطها كواكبُ العلم والمعرفة.
عُقدت المناقشة في قاعة الشيخ صالح كامل بجامعة الأزهر، وافتتحها الدكتور جابر بقوله:” إن القسم وهو يدعوني لتلك المناقشة يراهن على عمل الباحث، والآن نعرف.” واستمرت المناقشة خمس ساعات كاملة، كانت ثرية وعميقة.
ومنذ ذلك اليوم لم تنقطع علاقتي به، وكنت أحرص على تهنئته في المناسبات. وفي أحد الأعياد، هاتفته مهنئًا، فقال لي والابتسامة لا تخطئها أذني وإن غاب عن ناظري: “مبروك يا سيدي، لقد تم تعيينك بجامعة قناة السويس، وقد رشحت لكليتي: بورسعيد، والعريش.”
كانت لحظة فارقة في حياتي؛ إذ لم أكن أخبرته بتقديمي، فجاءت المفاجأة منه، وكأنها بشارة من السماء.
تعيّنت بكلية التربية بالعريش عام 2005، وبدأت بعدها رحلة الترقية. وكان هو أول من بشرني بترقيتي إلى أستاذ مساعد عام 2011، ثم بالبشارة ذاتها عام 2016 للترقية إلى درجة أستاذ.
وحين عدت من رحلة عملي بالخارج، كانت أول مناقشة لي بدعوة كريمة منه، لرسالة دكتوراه حول “التربية الوجدانية للطفل” بجامعة المنصورة، وهو الموضوع ذاته الذي كتبتُ فيه كتابًا أهديتُه له، فقام بإهدائه بدوره للباحثة لتستفيد منه.
ويوم المناقشة، أعدتُ عبارته التي قالها قبل عشرين عامًا: “القسم حين يدعوني للمناقشة يراهن على عمل الباحثة.”
وكم كنت ألحظ في عيونه الفرحة وهو يراني أنتقل من نقطة لنقطة، ولسان حاله يقول: لم أت لكم بمناقش خامل نستكمل به الإجراءات.
وعلى هامش المناقشة، كرّمني كما اعتاد أن يفعل مع تلاميذه، فكان وفاؤه سابقًا لا يُنسى.
جزاك الله خيرًا يا سيدي، ورضي عنك، لقاء ما قدمتَ لنا من دعمٍ ومسرّة، مرّة بعد مرّة.