الأدب

تحقيق_الذات.. (1)

بقلم / مسعد بدر
باحث في التراث

يقول ربيع الزميلي:
سوقه على اللي قاعدٍ بيتحرّاه
سوق المزون اللي عجيلٍ رواها

وهو يوصي المسافر أن يقصد صديقا له، ويحمّله إليه سلاما حارا:
(سلّم وكثّر لي سلامٍ تلاواه)
وهو تعبير مفعم بالشوق إلى لقاء صديق يتحرّى هو أيضا لقاء ربيع. كلاهما يتشوّق للقاء، لقاء الإنسان بالإنسان، لقاء الذات بالذات الأخرى، كلاهما يبحث عن هذا الكنز الثمين: الإنسان، الإنسانية، في جو يسوده التواصل والسلام.

(سوقه على اللي قاعدٍ بيتحرّاه)
(سلّم وكثّر لي سلامٍ تلاواه)

الراكب -إذن- يسوق بحثا عن الإنسان، الصديق، المنتظر، المشتاق إلى الإنسان الآخر وإلى الذات الأخرى والسلام.

وسوق المشتاق نحو المشتاق هو (سوق المزون) المتتابع المنساب لا يعوقه عائق. ولقاء الإنسان بالإنسان هو لقاء ريّ المزون بالأرض العطشى. يتحدث ربيع عن عطش الذات إلى ذات أخرى، ويربط ذلك بمظاهر الطبيعة. يربط بين الذات والذات الداخليتين وبين ذات الأرض تحيا بذات المطر، وكأن الأرض ذات تظمأ، وكأن الغيث ذات تسقي، وكأن الذات الفردية لا تحيا دون الاتصال بذات أو ذوات أخريات.

ذات يوم رأينا (حمدان المزيني) يحاول تنظيم العلاقة بين الإنسان، الحياة والموت، بين الوجود والعدم. واليوم يقدّم لنا ربيع رؤية تخالف ما تعارف عليه الفلاسفة من أن جوهر الحياة هو صراع دائم بين البيئة الخارجية وبين النزوع الأخلاقي لدى الإنسان، أو بين المثل الأعلى للفرد. المثل الأعلى لربيع هو الاتصال بالإنسان، هو (الوجود المشترك) الذي يتحقق من خلاله (الوجود الفردي)، وهو في سبيل ذلك يخلق علاقة جديدة بين البيئة الخارجية والذات الداخلية، علاقة تجمع بينهما، وتجعلهما متآلفتين متصلتين بحيث تعبّر كلاهما عن الأخرى، وتترجم عنها.