تقارير

(تأثير الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي)

كيف تواجه مصر تحديات أمنها القومي؟

تحليل بقلم / سهام عزالدين جبريل
جاء هذا التحليل من خلال لقاء إذاعى عبر إذاعة شمال سيناء حيث تم عرض بانوراما على الأحداث الجارية وتحليلها وسط خارطة إقليمية تموج بالصراعات، من شمال أفريقيا إلى القرن الإفريقي والخليج العربي، حيث تم تناول الدور المصرى الفاعل فى المنطقة التى تعج بالصراعات والمطامع الإقليمية والدولية حيث تجد مصر نفسها محاطة ببيئة استراتيجية ساخنة معقدة تتطلب أعلى درجات اليقظة. وإذا كانت الجغرافيا قدرًا لا يمكن تغييره، فإن إدارتها المتقنة هي ما يصنع الفرق بين دولة فاعلة وأخرى منفعلة.
وكان الإجابة عن عدة تساؤلات لتوضيح الرؤية من خلال عدة استفسارات أهمها
كيف تتعامل القاهرة مع هذه الملفات الشائكة و التحديات والتداعيات المحتملة ؟ وما دور قوة مصر الشاملة في تحصين أمنها القومي والسعى لتحقيق أطر السلام الإقليمى ؟
وبناء على هذا التحليل فقد بدأنا التحليل من الاتجاه الاستراتيجى الغربى حيث :
١-ليبيا: خاصرة رخوة وحدود مفتوحة
تمثل ليبيا نموذجًا مباشرًا لتأثير الفوضى على أمن مصر. الحدود الطويلة، والفراغ الأمني، وانتشار الميليشيات، كلها عناصر تهديد تفرض على مصر استراتيجية احتواء نشطة، تجمع بين الوساطة السياسية والدعم الأمني غير المباشر للضبط الوقائي للحدود.
٢-السودان: النزاع الممتد وارتداداته الاستراتيجية
لم تعد أزمة السودان شأناً داخليًا سودانيًا، بل باتت تهدد العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وتنعكس على ملف المياه، والتوازن في حوض النيل. فالمعركة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تشكّل خطرًا مزدوجًا: إنسانيًا على الحدود، واستراتيجيًا في معادلة النفوذ في الإقليم.
٣-اثيوبيا: ملف المياه ومخاطر الهيمنة الأحادية
تعد قضية سد النهضة الإثيوبي من أخطر التهديدات طويلة المدى التي تواجه الأمن القومي المصري، ليس فقط بسبب التأثير المحتمل على حصتها التاريخية من مياه النيل، بل أيضًا بسبب تعنت إثيوبيا ورفضها التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم. وقد تعاملت القاهرة مع هذا الملف بحنكة دبلوماسية، جمعت بين اللجوء إلى المنصات الدولية، واستثمار أدوات الضغط الإقليمي، مع الحفاظ على خطاب عقلاني يوازن بين الحقوق والسيادة.
٤-اليمن والبحر الأحمر وقناة السويس : الأمن البحري تحت المجهر
تمثل الحرب في اليمن، وتحديدًا تصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، طرحت تحديًا مباشرًا لأمن قناة السويس وخطوط الملاحة الدولية. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة أهمية رفع مستوى الجاهزية البحرية المصرية، وضرورة تأمين المجال الحيوي للجنوب الشرقي، كجزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي.
ه-القرن الإفريقي: ساحة التنافس الدولي وتوازنات النفوذ
لم يعد القرن الإفريقي مجرد هامش جغرافي، بل بات ساحة مركزية يتقاطع فيها النفوذ التركي والإيراني والإسرائيلي، إلى جانب الوجود الأمريكي والصيني. وتراقب مصر هذا التنافس عن كثب، لما له من تأثير مباشر على مصالحها في البحر الأحمر، واستقرار منابع النيل، والتوازنات في شرق أفريقيا.
٦-غزة الجرح الذى ينزف : يمثل الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى هو نقطة التماس المباشر وتحديات الوساطة المصرية في كل تصعيد بين غزة وإسرائيل، مسؤلية كبرى تحملها مصر حيث تجد القاهرة نفسها في قلب الأزمة، لا كوسيط فقط، بل كطرف معني بتهدئة نيران قد تمتد إلى سيناء. وتُعد الجهود المصرية في هذا السياق تجسيدًا للدبلوماسية الأمنية التي تراعي الاعتبارات الإنسانية والميدانية معًا.
٧-توازنات الخليج وإيران: التحرك وسط المحاور
رغم أن القاهرة لا تنخرط عسكريًا في المواجهة بين طهران وعواصم الخليج، إلا أنها تدير توازنًا دقيقًا في علاقاتها مع الجميع، مدركة أن استقرار الخليج من استقرار المنطقة. وتدعم مصر أي مسار للتهدئة، دون أن تُفرط في علاقاتها الاستراتيجية أو تسمح بتمدد النفوذ الإيراني على حساب عمقها العربي.
إدارة مصر للصراعات: الدبلوماسية المدعومة بالقوة الشاملة
ما يميز الموقف المصري في التعاطي مع كل هذه الملفات هو إدارة واعية تعتمد على “القوة الشاملة” للدولة:
قوة عسكرية رادعة تؤمن الحدود وتمنع أي تسلل استراتيجي.
قوة دبلوماسية مؤثرة تلعب دور الوسيط والمفاوض، وتفرض نفسها في المحافل الدولية.
قوة ناعمة وثقافية تمتد في أفريقيا والعالم العربي، تُعيد تشكيل الصورة الذهنية لمصر كفاعل إقليمي.
قوة اقتصادية متنامية تسعى لجذب الشركاء بدل استجلاب المعونات.
ويأتى كل ذلك في إطار تصور استراتيجي متكامل، يحاول بناء “شبكة أمان إقليمي” تضمن مصالح مصر وتُقلص من أخطار الانكشاف.
ومن خلال هذا التحليل نجد أن أمن مصر القومي يقع في قلب معادلات مضطربة ومتغيرات دولية وإقليمية حادة تعيشها منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها الإقليمية والدولية مما يؤثر بشكل كبير على استقرار دول المنطقة حيث تنعكس المنافسات بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة -روسيا -الصين ) سواء من خلال التدخلات العسكرية أو الشراكات الاستراتيجية وتأثيرها على الأمن الإقليمى لاسيما فى ظل تنامى دور لقوى إقليمية غير عربية (إيران -تركيا -اسرائيل- اثيوبيا ) التى تسعى بدورها لتعزيز نفوذها فى المنطقة مما يفاقم من حدة الصراعات والتى تشتعل فى المنطقة وبرغم كل هذه التحديات فإن موقع مصر الجغرافي ومكانتها التاريخية والحضارية يمنحها ميزة قوية كدولة تملك كافة مقومات القوى الشاملة لكنه يحمّلها مسؤولية، ويجعلها حاضرة في كل الملفات الساخنة من ليبيا إلى إثيوبيا، ومن غزة إلى باب المندب اتصالا بمنطقة التماس الاستراتيجى فى القرن الأفريقى لكن ما يضمن استمرار دورها ليس فقط التاريخ أو الثقل السكاني، بل الإدارة الذكية لهذا الدور. وفي ظل تحولات إقليمية حادة ودولية متسارعة، فإن استثمار مصر لقوتها الشاملة وتحركها الواعي المعتمد على رزانة القرار السياسة والنظرية الاستراتيجية بعيدة المدى وحكمة الدبلوماسية المصرية فى ظل تشابكات المصالح الدولية والإقليمية يظل ركيزة أساسية في بناء أمن قومي صلب في محيط لا يكفّ عن الاضطراب والتحديات المستقبلية.
خالص تحياتى
د/سهام عزالدين جبريل