
مصر تلاتين – تحقيق صحفي
في زحمة الأسماء اللامعة في سماء الشعر والسياسة المصرية، يختفي أحياناً رموز كان لهم دور محوري في تشكيل الوعي الجمعي خلال فترات حرجة من تاريخ الوطن. نبيه البيك (1924-1998) هو أحد هذه الشخصيات التي جمعت بين القلم والمقاومة، بين الشعر والمواقف الوطنية الصلبة. من شمال سيناء، وتحديداً من العريش، برز هذا الرجل كشاعر غنائي متميز وكمسؤول محلي شجاع خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء.
النشأة والخلفية العائلية
ولد نبيه البيك عام 1924 في شمال سيناء، حيث تنتمي عائلته “البيك” إلى العائلات المعروفة في المنطقة. تزوج من الحاجة منيرة محمد علي الخليلي، ورزق بأربعة أولاد ذكور هم محمد وأسامة وزاهر وأيمن، وبابنة وحيدة هي نجلاء. هذه التفاصيل العائلية تكشف عن شخصية مجتمعية متجذرة في نسيج سيناء الاجتماعي.
دوره السياسي والوطني
قيادة العريش في أحلك الظروف
شغل نبيه البيك منصب رئيس مدينة العريش خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، وهي فترة تمثل اختباراً حقيقياً لمعادن الرجال. في هذا المنصب الصعب، برز كـ”ميسر للاحتياجات الأهل” كما ورد في السيرة، حيث عمل على تلبية احتياجات المواطنين في ظل ظروف الاحتلال القاسية.

مواقف شجاعة أمام المحتل
من أبرز المواقف التي سجلت له رفضه فرض رسوم الكهرباء على منازل العريش، وهو الموقف الذي عرضه لـ”إغراءات وتهديدات” كما تشير السيرة، لكنه صمد أمام هذه الضغوط. هذه الحادثة تكشف عن شخصية جمعت بين الحنكة السياسية والصلابة الوطنية، حيث فهم أن مقاومة المحتل لا تكون فقط بالسلاح، بل أيضاً بالدفاع عن كرامة المواطنين وحقوقهم اليومية.
إتقان الإنجليزية كأداة مواجهة
تميز البيك بإتقانه اللغة الإنجليزية تحدثاً، وهي مهارة كانت ذات قيمة كبيرة في ظل الاحتلال، حيث مكنته من التواصل المباشر مع قوات الاحتلال بلغتهم، مما أعطى مواقفه مزيداً من القوة والتأثير.
إبداعه الشعري والثقافي
الشاعر الغنائي الموهوب
يوصف نبيه البيك بأنه كان “متفرداً في كتابة الشعر الغنائي”، حيث قدم أعمالاً غنائية لحنها الفنان منير الوسيمي وغناها حميد إبراهيم، ومنها:
دحيو .. ورايحين نقول الريده …
هذه الأغاني تمثل جزءاً من التراث الغنائي السيناوي الذي مزج بين الأصالة والمعاصرة.
القصيدة الوطنية الصادحة
من أعماله البارزة قصيدة وطنية ألقاها في إحدى احتفاليات جمعية المحاربين القدامى، والتي تضمنت الأبيات التالية:
“هبوا إنما للنوم صحونا
وانبرينا نبعث للأمجاد عونا
أفزعتهم ثورة الحق
وباتوا ينشدون الرمل
منجاة وآمنا..”
هذه الأبيات تعكس رؤية الشاعر للصحوة الوطنية والمقاومة، حيث يصور حالة اليقظة بعد سبات، والخوف الذي زرعه المقاومون في قلوب المحتلين.

الأعمال المسجلة والمخطوطة
وفقاً للسيرة، فإن للبيك “العديد من الشعر والقصائد مسجلة في الشهر العقاري”، مما يشير إلى حرصه على توثيق إنتاجه الأدبي. كما كتب قصة بعنوان “العمر كله لحظات” وهي قصة سياسية تؤرخ لحقبة الستينات، لكنها لم تنشر، مما يفتح الباب أمام الباحثين للكشف عن هذا الجانب المجهول من إبداعه.
فلسفته وحكمته
من كلماته المشهورة التي سجلتها السيرة: “النظيف.. قوي”، وهي عبارة موجزة لكنها تعكس فلسفة عميقة في الربط بين النزاهة والقوة، حيث أن القوة الحقيقية تنبع من الطهارة الأخلاقية والنزاهة في العمل العام.
الرحيل والإرث
توفي نبيه البيك عام 1998، تاركاً وراءه إرثاً من الشعر والمقاومة والقيادة المجتمعية التي تستحق التوثيق والدراسة. غيابه عن الساحة الإعلامية والأدبية لا يعني عدم أهميته، بل قد يعكس طبيعة المرحلة التي عاشها والتي كانت تهمش أحياناً الأصوات المحلية لصالح المركزية الثقافية.
خاتمة: دعوة لإعادة الاكتشاف
نبيه البيك يمثل نموذجاً للشاعر-المقاوم-السياسي الذي جمع بين الإبداع والعمل العام. سيرته تستحق مزيداً من البحث والتوثيق، خاصة أن له أعمالاً غير منشورة مثل قصته “العمر كله لحظات” التي تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ مصر. إعادة اكتشاف هذه الشخصية وإبراز دورها يسهم في تكوين صورة أكثر اكتمالاً للمقاومة الثقافية والسياسية في سيناء خلال فترات الاحتلال.