مقالات

في يوم عرفة.. مقال بلا عنوان

كتب عادل رستم

في زمنٍ لم يعد له عنوان ولا نستطيع ان نأتي بتفاصيل أو حتى محاولة للتفسير زمن طغت فيه الماديات، وسادت فيه قانون القوة، تبقى غزة شاهدًا حيًا على أن الإرادة أقسى من الحديد، وأن الإيمان أقوى من كل الصواريخ. منذ سنوات طويلة، وأهل غزة يعيشون تحت الحصار والعدوان، يُحاصَرون بالحديد والنار، ويُحارَبون في لقمة عيشهم، وفي صحتهم، وفي أطفالهم، بل وفي قبور موتاهم.

لم يعد العدوان على غزة مجرد حرب على البشر، بل هو إبادة للذاكرة ومسح من السجلات ، وتدمير متعمّد لكل مظاهر الحياة المدارسُ تُدمَّر، والمستشفياتُ تُقصف، والشوارعُ تُحوَّل إلى ركام. الأطفالُ يُقتلون أثناء نومهم، والعائلات تُدفن تحت أنقاض بيوتها. حتى الأشجارُ والحجارة لم تسلم من القصف مرة ومرات رغم كل هذا الظلم، لم ينكسر أهل غزة سلاحهم الصبر والثبات . زرعوا في قلوب أطفالهم حب الحياة، وعلّموهم أن الموت تحت القصف خيرٌ من العيش على الركوع. الأُمهاتُ يُهدهدن أطفالهنّ وسط دويّ الانفجارات، والآباءُ يضحون بكل شيء ليُبقوا على شمعة أملٍ في عيون فلذات أكبادهم. ٠
إنها معجزة الصمود التي تُذهل العالم ولكن أي عالم . شعبٌ بلا جيش، بلا حماية، بلا موارد، يقف أمام آلة حربٍ مدعومةٍ بأقوى الدول، ويقول لسنا أرقامًا في تقارير الإعلام.. نحن بشرٌ نستحق الحياة ….
غزة ليست قضية فلسطينيين فقط، بل هي قضية كلّ حرٍّ يؤمن بالعدل والكرامة فإذا كنا لا نقدر على نصرتهم بالسلاح، فلننصرهم بالكلمة، بالدعاء، بالمقاطعة، وبإبقاء قضيتهم حية في الضمير العالمي.
إنها ليست معركة حجارة ضد صواريخ بل هي معركة إرادة ضد آلة وحشية.. وغزة تثبت كل يوم أن الإرادة لا تُقهَر .وصمود أسطوري سيحكي التاريخ عنه ..اطفالا وشيوخا وشبابا ونساءا.

في هذا اليوم العظيم، يوم “خير الدعاء دعاء يوم عرفة” كما قال النبي ﷺ، تتنزّل الرحمات، وتُفتح أبواب السماوات، وتُستجاب المضطرات. ونحن – وقد أُغلِقت الأيدي، وضاقت الحيل، واشتدّ الحصار على إخواننا في غزّة لا نملك إلا أن نرفع أكفّ الضراعة إلى الله، ونصرخ من أعماق القلوب:
اللهمّ هذه غزّةُ المجد تُذبحُ في نهارك وليلِك، وتُبادُ في أرضك المباركة، فلا مُغيث لها إلا أنت، ولا ناصرَ إلا أنت اللهمّ انظر إليهم بعين رحمتك، واكتب لهم النصر العاجل، وارزقهم الصبر الجميل.

اللهمّ كن لإخوة لنا هناك، واحفظ أطفالهم، واشفِ جرحاهم، وأجرِ ميتاهم، وارزق أهاليهم الفرجَ بعد العسر.
اللهمّ انصرهم على من ظلمهم، واقطع دابرَ الذين تجرّأوا على حرمات المسلمين. {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗإِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}

اللهمّ اجعل دماءهم براءةً لهم عندك، وارفع درجاتهم في عليين. اللهمّ لا تترك لهم حاجةً إلا قضيتها، ولا جرحًا إلا شفيته، ولا دمعةً إلا مسحتها، ولا ظالمًا إلا قصمته.يا ربّ، إنّا عاجزون إلا من الدعاء، فاقبل منّا هذه الكلمات، واجعلها نورًا ونصرًا لأهل غزّة. آمين يا أرحم الراحمين.

وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”. فَلْنَكثر من الاستغفار والدعاء، فهذا يومٌ تُغاث فيه المكروبون.