
سفارة أمريكية فى واشنطن! بقلم / سوسن حجاب
سمعت أحدهم يوما وهو يسأل سؤالا ظن أن لا أحد سيستطيع إجابته، وتبدو عليه علامات الثقة واليقين أنه وحده من يملك إجابة هذا السؤال، فانتبه الحضور فى تحدٍ مماثل فقد شكك فى ذكائهم وفطنتهم وقالوا اسأل!فقال وهو ينظر لهم نظرة الثقة:انتوا عارفين ليه أمريكا هى الدولة الوحيدة تقريبا اللى ما فيهاش ثورات ولا اضطرابات ولا قلاقل؟حتى الاحتجاجات البسيطة اللى بتحصل من وقت للتانى بتخمد بسرعة زى حركة حياة السود مهمة،فقد انتهت سريعا ولم تتطور أو تزيد،لكن ثورة زى اللى سموها ثورات الربيع العربى مثلا؟ لأ مفيش ولا حرب أهلية زى اللى كانت عندهم من ميتين وخمسين سنة تقريبا قبل التحرير والتحرر من العبودية والجهل والاندماج فى أمة واحدة أصبحت الآن أكبر قوة فى العالم؟
فإذا بمستمعيه يتبارون فى ذكر الأسباب ومنها مثلا : أن أمريكا دولة مؤسسات وولاياتها تكاد تكون مستقلة، ومن قائل أن أمريكا بلد ديموقراطى حُر تحكمه القوانين وتسوده قيم المساواة ،وقال ثالث أن التعليم والقضاء على الجهل هو سبب استقرار أمريكا،وهو يبتسم ابتسامة الواثق من عدم قدرتهم على الإجابة ثم قال: لأ ولا سبب من الأسباب دى كلها السبب ببساطة إن مفيش فى أمريكا سفارة أمريكية!
وجموا جميعا للحظة ثم قال أحدهم أنت تقصد أن السفارة الأمريكية هى اللى بتثير الفتن وتشعل الثورات؟ والله عندك حق،فابتسم ثانية ابتسامة المنتصر ثم قال: يعنى انتوا مش شايفين ولا واخدين بالكم ان أمريكا ورا كل مشكلة فى العالم مش بس فى الشرق الأوسط المنكوب؟فأمّنوا مرة أخرى على كلامه وقال آخر أنا ملاحظ إن كل دول العالم التالت تحديدا أمريكا بتتدخل فى شئونها تدّخل المحتل أو الوصى أو العالِم بما ينفعهم وما يضرهم،فقال صاحبنا أمريكا سبب كل الفتن والحروب والأزمات حتى لو كان فيه أسباب داخلية أدت أو كانت ذريعة لكن بعد ذلك تتكفل أمريكا بالباقى خاصة الآن مع وجود رئيس متطرف فى كل شىء يظن أنه مبعوث العناية الإلهية لإقرار السلام والأمان المفقودين فى العالم قبل مجيئه .ثم حدث ما لا يخطر على بال أحد فقد اشتعلت أمريكا رغم عدم وجود سفارة أمريكية فيها.
وقد وصدق من قال:
ومن يظن ممن يلاقى الحروب أن لا يُصاب فقد ظن عجزا
وأقول:ومن يظن ممن يُشعل الحروب أن لا تصيبه شرورها فقد ظن وهما!
نعم وأظن أيضا أن صاحب قصتنا تلك قد فاجأته أحداث لوس أنجلوس الدامية والتى انتقلت لولايات أخرى وكأنى به يقول محدثا نفسه أو الآخرين:
يا سلام أهو ده بقى عدل ربنا،إفعل ما شئت فكما تدين تُدان،أو من حفر حفرة لأخيه ..، أو الأيام دِول،إلى آخره من هذه المأثورات المعبرة عن ما يحدث فى أمريكا التى ظنها ترامب أحد معاركه التى يديرها بالتصريحات الرنانة ثم بالحرس الوطنى ثم بالمارينز فإذا بالأحداث تشتعل أكثر وأكثر ولا يعرف أحد أو يتكهن كيف ستكون النهاية فى بلد الديمقراطية والحريات، فقد ظن ترامب أن ما تفعله أمريكا فى الآخرين بعيد جدا عنها ونسى أن الحذِر يُأتى من مأمنه.