مقالات

من ينتصر في معركة السكينة والقلق على المسرح اليومي

مقال بقلم / عادل رستم

نحيا في يومنا في صراع خفي وفي معركة يومية لا تعلن عن نفسها إلا في صمت الليل وضوء النهار في هذه الساحة الداخلية تقف السكينة في مواجهة التوتر والقلق وكأنهما خصمان قديران يتناوبان على الانتصار يومٌ ترفع فيه السكينة راية الطمأنينة في قلوبنا، ويومٌ آخر يسيطر فيه القلق على زمام الأمور، ليحول تفاصيل حياتنا إلى سلسلة من التحديات المرتقبة.

المفارقة المؤلمة تكمن في طبيعة هذا القلق المتجدد فالكثير مما أرَّقنا بالأمس، مما شغل بالنا وأسر نومنا، يتبدد مع شروق شمس اليوم الجديد كضباب في مهب الرياح. يتحول ذلك الوحش المخيف الذي هددنا بالأمس إلى مجرد ذكرى باهتة، بل ربما إلى فكرة تثير الدهشةكيف استحوذت على تفكيري بهذا الشكل؟

لكن المعركة لا تنتهي بانتصار واحد فإذا سقط قلق الأمس ينهض قلق اليوم من ركام مخاوفنا والمصدر الحقيقي لألمنا غالباً ليس الحدث الخارجي نفسه، بل السيناريوهات البائسة التي ننسجها في مسرح أذهاننا نحن نُخرج من مخيلتنا مسرحيات كاملة من الكوارث .

حوارات متخيلة تنتهي بالفشل .

مشاكل مرتقبة بلا حلول.

وأحلام تتحطم قبل أن تبصر النور.

هذه السيناريوهات ليست ترفاً فكرياً إنها سجون نبنيها بأنفسنا، جدرانها من التوقعات السوداء وأبوابها من الشكوك القاتلة.

هي التي تسرق منا نعمة النوم، وتلقي بظلالها الثقيلة على لحظات الحاضر، وتُسمم البئر قبل أن نتذوق ماءه. والسؤال لماذا نصر على إنتاج هذه المآسي الذهنية؟ ربما لأن العقل البشري مهووس بالسيطرة والاستعداد، فيخلط بين التخطيط الواقعي والتخيل الكارثي أو ربما لأن الألم المتوقع يبدو أقل رهبة من المجهول الذي يخبئه الغد.

نعم، المعركة مستمرة.

التوتر والقلق زائران متكرران على مسرح حياتنا.

لكن الوعي بأن أكثر سيناريوهاتنا رعباً هي من صنع خيالنا، وأن مخاوف الأمس غالباً ما تذوب في نور اليوم الجديد، يمنحنا سلاحاً قوياً.

إنه تذكير بأن مركز القوة يكمن في الآن في هذه اللحظة بالذات حيث نستطيع أن نختار ألا نكون سجناء لمسرحيات العقل البائسة، وأن نمنح السكينة فرصة جديدة لترفع رايتها فوق ساحة قلوبنا، يوماً بعد يوم.

الانتصار في تلك المسئولية يتوقف على قدرتنا وثباتنا وإيماننا بالقضاء والقدر.

مقالات ذات صلة