
مقالة تحليلية: إيران بين “مخلب الجغرافيا” ولهيب المواجهة: دولة على مفترق النار والتاريخ
بقلم / سهام عزالدين جبريل
يصعب المرور على خريطة الشرق الأوسط دون أن تتوقف الأبصار عند الكتلة الضخمة التي تحتلها إيران؛ دولة لا يمكن تجاهلها، لا في الجغرافيا، ولا في التاريخ، ولا في خرائط الصراع الإقليمي. فهل هي قوة آتية من عمق الحضارة، أم مخلب يتهيأ للانقضاض وسط بحر من التوترات؟
شكل إيران… الجغرافيا التي تشبه “مخلب القطة”
يشبّه بعض الجغرافيين هيئة إيران على الخريطة بـ”مخلب القطة”؛ فامتداداتها الجغرافية غير المنتظمة، من خوزستان غربًا إلى بلوشستان شرقًا، تمنحها شكلاً يشبه يد قطة ممدودة ذات مخالب حادة.
لكن هذا التشبيه ليس بصريًا فحسب، بل يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة:
تطل إيران على مضيق هرمز – شريان الطاقة العالمي، وتمتلك سواحل على الخليج العربي وبحر قزوين.
تمتد نفوذًا عبر العراق وسوريا ولبنان ضمن ما يسمى “الهلال الشيعي”.
تُحاصرها الجبال والصحارى التي تمنحها تحصينًا طبيعيًا، بينما تمتد أذرعها إلى اليمن وغزة ولبنان.
التاريخ لا يموت… إيران وريثة الإمبراطورية الفارسية
ليست إيران دولة طارئة؛ بل هي وريثة الإمبراطورية الفارسية العريقة، من قورش الكبير وحتى الثورة الإسلامية في 1979. فالدولة الإيرانية الحديثة تمزج بين الهُوية الشيعية، والفكر الصفوي، والحنين الإمبراطوري، لتنتج سلوكًا خارجيًا يميل إلى التمدد أكثر من الانكماش.
بين الردع والاحتواء: مواجهة محتدمة مع إسرائيل
اليوم تقف إيران في قلب صراع مفتوح مع إسرائيل، تخطى الخطاب إلى الاغتيالات، الحرب السيبرانية، الضربات الجوية، واستهداف المنشآت النووية.
ترى إسرائيل في المشروع النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا، فيما ترى طهران دعمها لحركات المقاومة ركيزة من ركائز مشروعها الإقليمي.
لبنان وسوريا واليمن أصبحت ساحات غير معلنة لصراع مستمر، يُدار بالأدوات أكثر من الجيوش، لكن خطر الاشتعال الكامل يظل قائمًا في كل لحظة.
هل تسقط إيران؟
رغم الأزمات الداخلية، والضغوط الاقتصادية، والمظاهرات المتكررة، إلا أن النظام الإيراني أظهر قدرة كبيرة على احتواء الأزمات، وقمع التمردات، وإعادة التموضع.
السقوط المفاجئ لإيران مستبعد لأسباب عدة:
الطبيعة الجغرافية الوعرة التي تصعب اجتياحها عسكريًا.
البنية العقائدية للنظام.
القدرة على المناورة إقليميًا عبر أذرع الحلفاء.
لكن السيناريو المرجح هو: “الاستنزاف الطويل”:
قد يطول إيران نزيف بطيء عبر العقوبات، والعزلة، وحروب الوكلاء، دون انهيار كلي. فالدول الحضارية لا تسقط فجأة، بل قد تتراجع لتعود بصيغ جديدة.
مفترق النيران والتاريخ
تقف إيران اليوم على مفترق طرق مصيري:
بين مجدٍ تاريخي يفتنها، وطموحات توسعية تستهلكها، وجغرافيا تمنحها القوة لكنها تفرض عليها الحذر. هي ليست قوة سهلة، لكنها أيضًا ليست محصنة إلى الأبد إذا مااستهدفتها سطوة ومؤامرات القوى المعادية
ومهما بدا شكلها كمخلب قطة، فإن حتى القطط تتراجع إذا ما حوصرت، لكنها قد تعود بأكثر شراسة عندما تتعافى انها إيران مخلب القطة نموذج يترجم قوة تشابك التاريخ والجغرافيا.
خالص التحية،
د. سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا