مقالات

الجميع منتصرون!

دكتور / السيد مرسى

وأخيرًا… بعد أيام معدودات من الصواريخ المتطايرة كالألعاب النارية في سماء الشرق الأوسط، وتدمرت معها بعض الموانئ والتي تساقطت على المنشآت الاستراتيجية كما تتساقط أوراق الخريف، يخرج الجميع، بابتسامة صفراء ونظرة شاردة، ليعلنوا: لقد انتصرنا! الصهاينة أعلنوا النصر بعد هذا التدمير لتل أبيب من الرشقات الإيرانية، قائلين: “لقد أسقطنا معظمها، والدليل أن المستشفيات استقبلت فقط نصف المصابين المعتادين في الأعياد الوطنية! والإيرانيون؟ خرجوا بوجه متجهم، يلوحون بإشارات النصر، معلنين للعالم أن الضربة كانت رمزية محسوبة، مع أن الأرقام تقول إنهم خسروا مخازن ذخيرة تكفي لإشعال ثلاث ثورات إضافية في المنطقة، لكن لا بأس ، وكذلك الأمريكان؟ كالعادة، حضروا متأخرين مثل الأفراح الشعبية، أطلقوا تصريحات نارية من وراء المحيط، وأرسلوا البوارج لتقف على بُعد آمن، ثم أعلنوا أن “القوة الأمريكية لا تُقهر”، مع أن أحد الصواريخ مر بجانب السفارة الأمريكية كتحية ساخرة، لكنهم اعتبروها لفتة دبلوماسية من محور المقاومة! ، ثم جاء وقف إطلاق النار… لحظة السلام المفخخة، حيث جلس الجميع على الطاولات.

نعم نحن في زمن الحديث عن المفاعلات النووية، كما حدث مع العراق ، حتى لو كانت على الورق، أو في رسومات الفوتوشوب الرسمية ، والجيران يجهّزون ملاجئهم تحت الأرض تحسبًا لأي “تسريب عرضي” و الشعوب والحكومات العربية، تجلس بالمدرجات، وكأنها تتابع مباراة ملاكمة مجانية، ما بين تصريحات صاخبة، وتهديدات متبادلة، وحرب نفسية تشعلها مواقع التواصل الاجتماعي أكثر مما تُشعل بالجبهات. ويتساءلون ببراءة: “ما هى علاقاتنا بالنوويين، ولا سيما وان الأحاديث تدورحول أزمة الغاز وتخفيف الاحمال وقطع الكهرباء، وهنا يقول الحاج على الله في مقهى شعبي: “يا ابني خلّينا نوصل الميه للحنفية الأول، بعدين نبقى نوصل اليورانيوم للمفاعل!” ، ودول الخليج هي الأخرى عقدت القمم الطارئة بوتيرة أسرع من تحضير أكواب الشاي بالنعناع السعودي وجاءت اكلا من لإمارات والكويت والبحرين وقطر واجتمعوا في الرياض قبل أيام ، وأكدوا أنهم يرفضون التصعيد، ويدعمون الاستقرار، ويحذرون من التصعيد؟

وأخيرا : مما لاشك فيه ان الشعوب العربية وهى تقف على الأطلال، تعد الخسائر، وتبحث عن الكهرباء والماء والإنترنت، ثم تلتقط أنفاسها بين كل جولة وجولة وتنتظر الجولة القادمة من “الانتصارات المتبادلة”، تلك التي نخرج منها جميعًا أكثر فقرًا ودمارًا، لكننا لا ننسى أبدًا أن نكتب على الجدران المهشّمة: “انتصرنا… مرة أخرى!” ففي الشرق الأوسط، الكل منتصر، والكل خاسر… والضرب مستمر حتى إشعار آخر.

والى اللقاء : دكتور / السيد مرسى