
د صلاح فاروق.. بين حسّ الشاعر وبصيرة الأكاديمي
كتب عبد الله السلايمة
في قلب المشهد الثقافي المصري، حيث تتزاحم الأصوات الشعرية وتتقاطع التجارب، يبرز اسم الدكتور صلا ح الدين فاروق العايدي بوصفه أحد أولئك الذين منحوا الكلمة مقامها، وجعلوا من القصيدة معراجًا للفكر والروح في آنٍ معًا.
ينتمي الشاعر صلاح فاروق إلى تلك الأصوات الشعرية التي لم تساوم، ورفضت الانجرار وراء موجات التسطيح أو الانفصال عن قضايا الوطن. يؤمن بدور الكلمة في بناء الوعي، وبسلطة الشعر في مواجهة النسيان والغياب.
هو شاعر لا يكتفي بإنشاد القصيدة، بل ينقّب عن المعنى كما يُنقّب العارف عن كنزٍ في باطن اللغة. يبني معمارًا شعريًا تستقر فيه الأصالة إلى جوار الحداثة، وتتقاطع فيه الذات مع قضايا الوطن والإنسان.
وُلد صلاح الدين فاروق في الرابع من ديسمبر عام ١٩٦٧، بعد أن هاجرت أسرته من العريش إلى القاهرة في أعقاب نكسة ١٩٦٧، واستقرّت في حي عين شمس.
وهناك، في مدينةٍ تنبض بتاريخها وتضجّ بحكاياتها، تشكّل وجدانه الأول، وتفتّح وعيه. تلقى تعليمه في مدارس القاهرة، ثم التحق بكلية الآداب – جامعة عين شمس، ونال ليسانس اللغة العربية عام ١٩٩٠.
واصل دراسته العليا، فحصل على درجة الماجستير عام ١٩٩٨ عن أطروحته “شعر النابغة الذبياني: دراسة أسلوبية”، ثم نال الدكتوراه عن أطروحته “تحولات القصيدة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين”، جامعًا بين الحسّ الشعري والبصيرة الأكاديمية.
عمل معلمًا للغة العربية في إحدى مدارس عين شمس، حتى عادت عائلته إلى العريش ١٩٩٠، وعاد هو بأسرته الصغيرة ٢٠٠٧. ويعمل الآن بمديرية التربية والتعليم بشمال سيناء.
ومنذ قدومه انضم لنادي أدب العريش و ساهم في الحراك الأدبي في شمال سيناء وأصبح بمرور الوقت من بين أبرز أعمدته، كما أسهم في تأسيس فعاليات وملتقيات أدبية جعلت من سيناء جزءًا حيًّا في الجغرافيا الثقافية لمصر، لا هامشًا منسيًّا.
افتقدته الساحة الأدبية في شمال سيناء لأربعة أعوام (٢٠١٠ـ ٢٠١٥) قضاها محاضرًا بجامعة قار يونس في ليبيا، ثم عاد ليُدرّس في كليتي الآداب والتربية بجامعة العريش (٢٠١٥ـ ٢٠١٧). ورغم انشغالاته الأكاديمية، لم ينقطع عن كتابة الشعر،
و انخرط في قصيدة النثر بقوة من العام ١٩٩٠، وإن بقي أثر القصيدتين العمودية والتفعيلة قويًا في تجربته، يفيد منهما، ويجدد في ممارستهما.
أصدر عددًا من الكتب الشعرية والنقدية، منها: تحولات القصيدة العربية: كتابات نقدية.
ومن دواوينه الشعرية: من أجل سيدة أخرى، الحياة السرية للآباء، شعر،
دار الأدهم، فنجان قهوة لطاولة المقعد الفارغ، شعر، دار الأدهم.
كتب العديد من المقالات، منها:
نحن والأدب: مقال في النظرية والنوع الأدبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة. حدود النص وأطر التلقي: دراسات في مفاهيم النقد الأدبي المعاصر وقضاياه، الهيئة العامة لقصور الثقافة.
كما يحتفظ بعدد من المخطوطات الشعرية قيد النشر، من بينها: رجل في متاهة، يوميات الحزن والفرح، وأغاني الشاعر الجوال من سيرة العرّاف الأعمى. وله أيضًا كتاب نقدي بعنوان: تجلّيات القصيدة العربية في القرن العشرين.
تشكّل قصائده فسيفساء وجدانية تجمع بين الحنين والانكسار، بين الغضب النبيل والتأمل العميق.
كتب عن الحنين، عن الغربة، عن الحلم الجماعي الذي يُراد له أن يتبدّد. وامتزج في شعره الذاتي بالجمعي، فتماهى القارئ مع التجربة، وشعر أن القصيدة تنبض بنبضه هو.
وإذا كانت القصيدة الحقيقية هي ما يبقى من الزمن، فإن قصائد صلاح فاروق ستظلّ شاهدةً، لأنها صادقة… ومخلصة… ومضيئة كأملٍ لا يخبو.