
الغرف المغلقة سجنٌ نختاره ومَلاذٌ نصنعه
مقال / عادل رستم
في زوايا كلٍّ منا تقبعُ تلك الغرفة المغلقة مساحةٌ لا يُمسك بمفاتيحها سوى صاحبها، تُخبئ وراء جدرانها الصلبة حواراتٍ لا تُقال إلا في صمت نفسٌ لوامةٌ تعاتبه، وأخرى معترفةٌ تُناجي ضميرها، وثالثةٌ عنيدةٌ ترفض الاستسلام.
إنها الغرفة التي نلجأ إليها حين يُرهقنا ضجيج العالم، أو حين نريد أن نكونَ وحدنا مع ذواتنا بلا أقنعة. بابٌ موارب.. وشروطٌ صارمة لا يُسمح بالدخول إليها إلا لأصحاب المفاتيح أولئك الذين نمنحهم ثقتنا كاملةً دون تحفُّظ. حتى هم لا يبقون فيها طويلًا؛ فهي ليست مكانًا للضيافة، بل ملاذٌ مؤقت نَشْحَذ فيه أفكارنا، أو نُداوي جراحنا بعيدًا عن الأعين.
جدرانها بلا نوافذ لأنها لم تُصمم لاستقبال الضوء من الخارج، بل لتحمينا من عواصف لا نريد لأحدٍ أن يراها. فوضى الكراكيب.. وإدارة الذات لكنَّ هذه الغرف نادرًا ما تكون مُرتَّبة! تتراكم فيها كراكيب الذكريات وتتكدس في زواياها أسئلةٌ معلَّقة، وأحلامٌ مُعلَّبة، وأحيانًا أشباحٌ من الماضي.
الفوضى فيها ليست عشوائيةً بل مُنظَّمةٌ بحسب منطقٍ نصنعه نحن. المشكلة ليست في الفوضى ذاتها، بل في إطالة الجلوس بين تلك الجدران.
فكلما طالَ المكوث، تحوَّلت الغرفة إلى زنزانةٍ نختارها بأيدينا وسجَّانُنا الوحيد هو صوتنا الداخلي الذي يرفضُ أحيانًا فتح الباب….
مفتاح الخروج بين يديك الخروج منها قرارٌ شخصيٌ بحت. قد تحتاج إلى أن تَئِنَّ جدرانها قبل أن تدرك أن الهروب منها ليس جُبنًا، بل شجاعة.
قد تخرج منها حاملاً بعض الكراكيب لتُرممها في الخارج، أو تتركها وراءك إلى الأبد. الغرفة لن تختفي، لكنك وحدك من يحدد متى تستحق أن تكون ملاذًا ومتى تتحول إلى سجن.
لا تُدير ظهرك لغرفتك المغلقة، لكن لا تسمح لها بأن تُغلق العالم عنك.