
النوايا مطايا.. بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة
في الحديث الصحيح: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى”؛ فالنية هي الروح التي تُضفي على الأعمال قيمتها، وترفع من قدرها وإن بدت في ظاهرها صغيرة أو اعتيادية.
تأمل هذا المشهد العجيب: امرأةٌ بغيّ – أي امتهنت الفاحشة – تدخل الجنة لأجل سُقيا كلب! قال رسول الله ﷺ: “بينما كلبٌ يطيف بركية، قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بَغيّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها، فسقته، فغُفر لها به”.
لو قسنا هذا الفعل بمقياس المنطق والعقل المجرد، لقلنا: وما وزن سُقيا كلب في ميزان من أثقلت خطاياه؟! لكن النية الخالصة التي صاحبت هذا العمل، قلبت الموازين، وجعلت من تلك اللحظة المفردة طريقًا إلى الجنة.
وعلى هذا فقِسْ؛ فكم من أعمال نُمارسها يوميًا بعادة، لا نؤجر عليها لأنها افتقرت إلى نية، وكم من فعل صغير رفع صاحبه في الدرجات لأنه سبقه قصدٌ طيبٌ خالصٌ لوجه الله.
تأمل مثلًا: رجلٌ يأتي أهله بنية العفاف؛ فيُكتب له أجر. قال ﷺ: “وفي بُضع أحدكم صدقة”. فاستغرب الصحابة، وسألوا: “أيأتي أحدُنا شهوته ويكون له فيها أجر؟” فقال ﷺ: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟” قالوا: بلى. قال: “فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر”.
وآخر يرفع لقمة إلى فم زوجته بنيّة الرحمة والمودّة؛ فيُثاب عليها. بل إن النفقة على الأهل تُعدّ من أفضل الصدقات، كما في الحديث: “أفضلُ الدينار دينارٌ ينفقه الرجل على عياله”.
وقد يكتب أحدهم منشورًا في صفحته بغرض النصح والإفادة، فيُؤجر كفاعل الخير تمامًا، لقوله ﷺ: “الدالّ على الخير كفاعله”.
وهكذا تمتد البركات، حتى تصل إلى الشربة نشربها فنشكر، أو اللقمة نأكلها فنحمد، فيُكتب لنا أجر الشاكرين. قال أحد الصالحين: “إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي”؛ إذ ينام بنية تقوية الجسد للطاعة، وذاك من فقه النية.
بل إن أيسر العادات اليومية: الذهاب إلى العمل، حمل أكياس القمامة، إعداد فنجان قهوة لك ولزوجك، قيام المرأة بأعمال بيتها، ترتيب الأركان… كلها أعمال تُقابل بالروتين أو التذمر أحيانًا، لكنها متى ما زُيّنت بالنية الطيبة، كانت في ميزان الحسنات.
فما العمل إلا وعاء، والنية هي المضمون؛ فاملأ أوعيتك بالإخلاص، تكن لحياتك بركة، ولأعمالك ثواب، ولخطواتك أثر لا يزول.