آراء وتحليلات

جنازة الإهمال الرسمي بالمنوفية

دكتور / السيد مرسى

لا جديد تحت شمس هذا الوطن العجيب.. فى مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه استعراض رسمى للإهمال الممنهج، ودّعت من خلاله محافظة المنوفية 18 فتاة من خيرة بناتها، بعدما لقين مصرعهن فى حادث مأساوى جديد ينضم إلى قائمة طويلة من الكوارث التى صارت جزءًا من الروتين اليومى للمصريين فالإهمال يحصد الأرواح كعادته، والمسؤولون يصدرون بيانات التعازى وكأنها خط إنتاج لا يتوقف. هذه المرة، الضحايا 19 زهرة من فتيات المنوفية، وهنا أتذكر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه “لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها، لم لم تمهد لها الطريق يا عمر؟”. هذا الأثر يدل على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الحاكم، وأنه مسؤول عن كل ما يطرأ من أذى أو ضرر على رعيته، حتى لو كان حيوانًا، ويُفهم من هذا الأثر أن الحاكم يجب أن يكون حريصًا على مصالح رعيته، وأن يسعى لتوفير سبل الراحة والأمان لهم، وأن يتحمل المسؤولية كاملة عن أي تقصير أو إهمال قد يؤدي إلى ضرر بهم، وما حدث بالمنوفية لا يُعد خبراً فى مصر، بل “تحصيل حاصل”، ولم يكن الأول، ولن يكون الأخير، فالقصة محفوظة: طريق متهالك، وسيارات متهورة، وغياب دائم للرقابة، وصمت رسمى بملامح “مش شغلتنا “، ثم جنازات جماعية، وكاميرات تصور، ومسؤول يرتدى نظارة شمسية يقول: “نُتابع الموقف عن كثب”، وإعلاميون يتساءلون اين السيد وزير المواصلات وأين معالي رئيس مجلس وزراء مصرمن كل ذلك ! ، وسوف ننسى أسماء هؤلاء الفتيات ونتذكر هذا الرقم 19 بنتًا اليوم، خرجن بحثًا عن عمل شريف وكسرة خبز تسد رمق الحاجة،  وفى لحظات تحولوا لشلاء تركتها الأرواح على جانبي الطريق، ومعهم الشاب ادهم سائق الميكروباص والذى كان سيخطب احداهن في المساء، وسط صرخات الأهالي ودموع الأمهات والآباء يحملون النعوش إلى القبور لتنتهي معها أحلام وطموحات فتيات في عمر الزهور، وقبلهم عشرات، وبعدهم المئات.. ما دام الفساد جالسًا على كرسى الإدارة لا يحاسبه أحد، وحياة المواطن أرخص من شريط أسفلت لم يُصان إلا بعد أن يرتوى بدم الأبرياء.

وختاما ….حديثى هنا لمعالي المسئول، جنابك لا تحتاج إلى اجتماعات أو لجان تقصى حقائق.. بل تحتاج لضميرك، لكنه للأسف “تحت الصيانة”، أو ربما “خارج نطاق الخدمة” ونحن، فسنشيّع أبناءنا وبناتنا كل أسبوع، ونحن نرفع شعار: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، وتبقى سيارات الموت تسير بلا رقيب، والطرقات مصائد موت معلن، أما الإعلام، فسيكتفى بلقطة سريعة لجنازة حزينة، ثم يعود لتغطية أخبار الطقس أو تصريحات الفنانين.. لأن أرواح الفتيات أرخص من جدول البرامج، ولأن الحزن فى مصر مؤقت.. لكنه الإهمال دائم ومستمر كالكهرباء.. وإن انقطعت الكهرباء، فالموت لا ينقطع!

وإلى اللقاء : دكتور / السيد مرسى

 

مقالات ذات صلة