مقالات

قيمة ما نكتب بين أولادنا.. بقلم / ا.د زكريا هيبة

على رفوف الذاكرة تتراكم الكتب، بعضها يُنشر، وبعضها ينتظر، وبعضها لا يقرأه إلا قلّة، ولكن، ما جدوى كل تلك الصفحات إن لم تجد صدىً في القلوب الأقرب؟

في زمنٍ يركض فيه الكاتب خلف القارئ، غالبًا ما ينسى أن أول قارئ ينبغي أن ينتبه له يسكن معه تحت سقفٍ واحد.
هي ليست حكاية كتاب جديد، بل حكاية قديمة تتجدد كل مرة حين يحاول الأب الكاتب أن يجعل أبناءه يرون في قلمه امتدادًا لحياتهم، لا مجرد حبرٍ على ورق.

وفي خضمّ انشغالنا بالكتابة، وهموم النشر، ولهفة التفاعل، قد نغفل عن حقيقة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد؛ أن جمهورنا الأول هو البيت، وأن أقرب الناس إلينا قد لا يرون فيما ننجزه قيمة تُذكر، لا لقصور في الفهم، ولكن لأن الاعتياد يسرق الدهشة، ولأن الأدوار العائلية تغلب أحيانًا على كل ما سواها.
فالكاتب، مهما كانت شهرته، هو بالنسبة لأولاده “أبي”، لا أكثر.

وإن بدأ لهم مصدر فخر حين يذكره أحد أساتذتهم، أو يسمعون بإعجاب الناس به، إلا أن هذا الفخر لا يلبث أن يتراجع أمام روتين الحياة اليومية، حيث يعود “الكاتب” إلى كونه مجرد أب يُطلب منه المساعدة في حل واجب مدرسي، أو اصطحاب أحدهم إلى موعد طبيب، أو يبتاع لهم مطالبهم اليومية.

ولستُ أنكر أنني أشعر بالفرح كلما جاء أحد أولادي ليخبرني أن أحد معلميه يتابع ما أكتبه على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدي إعجابه به، إذ أجد في ذلك لمحة تقدير غير مباشرة لما أفعل، وتأكيدًا أن لما أكتبه أثرًا، حتى لو لم يكن ظاهرًا في محيط أسرتي.

فبعد أن نشرت ما يقارب العشرة كتب، لاحظتُ أن أولادي لم يعودوا يتعاملون مع كتبي كأمرٍ يستحق التوقف أو الاحتفاء. لم يعودوا يسألون عن العنوان، ولا يباركون عند النشر، بل يمر الأمر مرور الكرام، كما لو أنه نشاط اعتيادي لا يثير فضولًا أو حماسة. وأنا من المؤمنين بأن الأثر الحقيقي لأي كتابة لا يُقاس بعدد القرّاء، بل بمدى صداه في أقرب القلوب.

لكن شيئًا ما تغيّر مؤخرًا!
عندها خطرت لي فكرة بسيطة، لكنها فعّالة… أخبرت أولادي بأن 10٪ من عائدات كل كتاب جديد ستُخصص لهم بشكل مباشر! لم أكن أتوقع أن هذه الجملة القصيرة ستعيد البريق إلى عيونهم، والحماس إلى أحاديثهم. والبارحة كان أول وارد في اتفاقنا، احتفلنا بهذه الخطوة بعزومة صغيرة، جلسنا فيها نضحك، ولم تخل من مساومات لزيادة النسبة، لكن هيهات!

فهل يكون هذا الصنيع خطوة للوالد الكاتب، الذي تتغير النظرة إليه بأن ما يقوم به شيء يستحق الكثير من الجميع؟ أم يبقى كما هو “الوالد الأب”؟
ننتظر!