
المصـيدة
دكتور / السيد مرسى
يبدو أن إسرائيل قررت أن تواكب موضة “العمل الإنساني”، على طريقتها الخاصة والمعروفة باسم القتل ، والتهجير ، والمجازر بشعارات “إغاثة المدنيين”، فعندما أعلنت إسرائيل، وسط الهدم والتدمير، عن تشكيل “لجنة تنسيق المساعدات الإنسانية لغزة”، ومن يقرأ التاريخ يعرف أن هذه اللجان، تحمل في طياتها الاغتيالات، والتصريح عن حماية الأطفال تجد خلفه قناص متمركز فوق أطلال منازلهم ، بناء على ذلك لا مساعدات تدخل، ولا إنسانية تخرج، بل تتحول نقاط تسليم الإغاثة إلى (فخاخ موت) ، وكأن الماء والدقيق مواد مشبوهة تهدد أمن الدولة العبرية! ، ولك ان تتخيل عندما تنتظر مع أسرتك، بعد أيام تحت الأنقاض، شاحنة مساعدات، فتأتيك بدلًا منها قذيفة ذكية تختار الأطفال أولًا والنساء ثانيًا، أما الشيوخ فتحت الأنقاض، وينتهي مشهد توزيع الخبز بمجزرة جماعية، ثم يقول المتحدث الرسمي الإسرائيلي “لقد تم استهداف عناصر مشبوهة داخل حشد المساعدات، حفاظًا على أمن إسرائيل… وناسف لسقوط بعض الضحايا العرضيين!.
فماهي “العناصر المشبوهة” لدى إسرائيل؟ الإجابة عنهم تقول كل طفل يحمل حقيبة مدرسية، وكل امرأة تحتضن وليدها، وكل رجل يحاول إصلاح منزله المدمر، من أجل ذلك فالطائرات الإسرائيلية ترى المشبوهين بوضوح في الليل أكثر من النهار، بفضل تقنياتها المتطورة في “تحليل النوايا العدائية للرضع”.
والمؤلم – في هذه المسرحية السوداء، أن العالم يتابع المشهد وكأنه عرض كوميدي، والأمم المتحدة تتابع “بقلق بالغ”، والاتحاد الأوروبي “يندد بشدة”، وواشنطن تنصح بضبط النفس، بينما طابور المساعدات، جعل الأطفال يرجعون لبيوتهم محملين بأكياس الموت البلاستيكية، وتتحول قوافل الإغاثة إلى محطات للموت، في زمن أصبح فيه الاحتلال يتفنن في دمغ جرائمه بشعارات إنسانية، ويُهجّر سكانها تحت عنوان “إعادة الإعمار”. وسنمنحكم الغذاء، ولكن في أكياس الموت، وسنبني لكم الملاجئ تحت الأرض، بشرط ألا تخرجوا منها أحياء! ها هي إسرائيل تُحسن استخدام مصطلحات القانون الدولي، بالمقلوب: وتجعل المساعدات مصيدة، والممرات الإنسانية مقابر، والتهدئة فرصة لإعادة شحن الذخيرة تلك هى لجنة هندسية للمجازر بلمسة دبلوماسية.
ختاما لهذا المشهد، يبقى الفلسطيني ممزقاً بين الخبز والرصاص، بين الطحين والدم، بين صندوق المعونة ونقالة الإسعاف… وتبقى إسرائيل، بوجهها الذي لا يخجل، تقدم نفسها للعالم كدولة تحترم “حقوق الإنسان”، ولو كانت تلك الحقوق تأتي مع ملصق “قابل للتفجير عند الاستخدام”، فعذرًا يا غزة العزة، فالجوعى لا يُطعمون على يد القتلة، بل يُستهدفون. وعذرًا يا إنسانية، فقد صارت مجرد شعار يُلصق على ظهر كل ضحية.
الى اللقاء: دكتور / السيد مرسى