مقالات

كن يوسفي العفو.. بقلم / أ.د زكريا هيبة

حين يدبّ الخلاف بين الإخوة، يهرع بعض الناس ليقول: “أبناء الأصول لا يختلفون!”

وهذا قولٌ يحتاج وقفة…
ففي أمثالنا الشعبية “مصارين البطن تتعارك!”
ودعني آخذك إلى أعمق نقطة في تاريخ البشرية: أول شقيقين على وجه الأرض، قابيل وهابيل، أبناء آدم -عليه السلام-. قابيل ارتكب أول جريمة قتل، وسفك أول دم؛ بقتله هابيل، وهما ابنا أصل أصول البشرية!
وها هم أبناء نبيّ الله يعقوب -عليه السلام-، حين غلبتهم الغيرة، دبروا لأخيهم ما كاد أن يهلكه، رغم رفعة نسبهم ومقام أبيهم!
فالشيطان حين يتدخل، يكون حضوره طاغيًا لا يُستهان به.

لكن، رغم كل ذلك، حين يقع الخلاف بينك وبين بعض أقاربك، لا تذهب بعيدًا في العتاب.

يكفيك اعتذار بسيط، أو حتى اعتذار مبطّن يحفظ ماء الوجه.

كان بين الحسن والحسين -رضي الله عنهما- كلام، فقيل للحسين ادخل على أخيك فهو أكبر منك، فقال: إني سمعت جدي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أيما اثنين جرى بينهما كلام فطُلب أحدهما رضا الآخر كان سابقه إلى الجنة، وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر، فبلغ قوله أخاه فأتاه عاجلًا وأرضاه.

فكُنْ يوسفي العفو؛ على الرغم من جرم أخوته برميه في الجب صغيرًا، وعلى الرغم من تَكرار شنيع فعلهم حينما قالوا بعد مرور سنين طوال، وقد صار يوسف رجلًا، وهم لا يعرفون أنه يوسف ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ ﴾؛ يقصدون يوسف، فما كان من هذا الشهم النبيل إلا أن كظم غيظه، وتعالى على جرحه الذي نكأوه ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَالَهُمْ﴾. ثم حدّث نفسه قائلًا أنتم أسوأ منزلة ممن ذكرتم، حيث دبَّرتم لي ما كان منكم، والله أعلم بما تصفون من الكذب والافتراء ﴿قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾.

ولما ظهرت الحقيقة للجميع، واستبان لهم أنه يوسف بادرهم بقوله ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

لم يُجلسهم مطأطئ الرأس ليقيم عليهم الحجة قبل أن يعفو ويصفح، إنما بادرهم بالعفو والصفح قائلًا ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم﴾؛ أي لا لوم ولا توبيخ. ثم أتبع قولًا ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
ما أنبل النبلاء، ورضى الله عن كل هين لين.