
من المنتصر في المواجهة الكبرى؟.. قراءة تحليلية في توازنات القوة بين أمريكا وإسرائيل وإيران
بقلم/سهام عزالدين جبريل
في صراع يحتدم على جبهات متعددة، من غزة إلى الخليج، ومن سماء دمشق إلى مضيق هرمز، تتسابق القوى الكبرى على إعادة ترسيم النفوذ وبسط الهيمنة وتصطدم مع القوى الإقليمية بالمنطقة ومع كل تصعيد عسكري أو مواجهة مباشرة، كما رأيناه فى الحرب التى اندلعت بين اسرائيل وايران كانت تحمل نذير حرب عالمية اختنقت الأنفاس فى الشرق الأوسط وحرب تدار وتنتقل الى ايران ثم تبلغ الحرب ذروتها ثم فجأة تخمد جذوتها وتنتهى وتلقى الحرب أوزارها مشهد مركب يحتاج إلى شرح وتفسير !!!
وهنا يثا ر التساؤل المركزي:
من خرج منتصرًا من هذا المشهد المركب؟
الولايات المتحدة الأمريكية، أم إسرائيل، أم إيران؟
وهنا نقف أمام ثلاثة مشاهد
لنعرف من المنتصر :
اولا
إيران: انتصار الرمزية وتعزيز المحور
رغم الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية، استطاعت إيران أن تسجل نقاطًا استراتيجية على خارطة الصراع. فقد شكّل الرد الإيراني الصاروخي على إسرائيل سابقة نوعية، كسرت حاجز الصمت الإيراني الطويل، وأرسلت رسائل واضحة بأن طهران قادرة على الرد، وإن جزئيًا، عند تجاوز خطوطها الحمراء.
كما استطاعت إيران أن تعزز حضورها الإقليمي عبر “محور المقاومة”، بدءًا من حزب الله في لبنان، ومرورًا بالفصائل المسلحة في العراق وسوريا، وصولًا إلى الحوثيين في اليمن. هؤلاء لم يكونوا مجرد وكلاء، بل صاروا أذرعًا مؤثرة في موازين الردع الإقليمي.
ورغم أنها لم تنتصر ميدانيًا بشكل حاسم، إلا أن طهران خرجت من التصعيد الأخير وقد عززت شرعيتها الرمزية لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية والإسلامية، بوصفها زى القوة التي تجرؤ على مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
ثانيا
إسرائيل: تفوق عسكري وخسارة معنوية
في المقابل، أظهرت إسرائيل تفوقًا تقنيًا وعسكريًا واضحًا، سواء عبر منظومة “القبة الحديدية” أو عبر عملياتها الاستخباراتية الدقيقة، إلا أن هذا التفوق لم يمنع الضربات المباشرة من إيران أو من وكلائها، والتي طالت مدنًا ومواقع حيوية داخل العمق الإسرائيلي.
لكن الأهم من ذلك هو الضرر المعنوي والسياسي الذي لحق بإسرائيل، حيث بدأت صورتها كقوة لا تُقهر تتآكل في الداخل والخارج، خاصة مع تنامي الانتقادات الدولية بشأن العمليات في غزة، والاتهامات المتزايدة بارتكاب جرائم حرب،جي مما أضعف من شرعيتها الأخلاقية والسياسية.
كما أن الرهان الإسرائيلي على جثث التطبيع والاستقرار الإقليمي بات مهددًا، بعد أن أعادت الحرب صياغة أولويات دول كانت تتجه نحو التعاون معها، لكنها وجدت نفسها مضطرة لمراجعة المواقف تحت ضغط الرأي الدعام والمخاطر الأمنية.
ثالثا
أمريكا: ربحت الجولة أم خسرت الاستراتيجية؟
أما الولايات المتحدة، فرغم أنها بدت كـ”الحكم” في هذا الصراع، إلا أن موقفها اتّسم بالحذر والمراوغة. حافظت واشنطن على أمن إسرائيل، وأعادت تموضع قواتها في المنطقة، ومررت صفقات تسليح جديدة، لكنها لم تعد الطرف المهيمن الوحيد كما كانت في السابق.
الردع الأمريكي لم يعد كافيًا لثني إيران عن خطوات غير مسبوقة، كما أن الحلفاء الإقليميين بدأوا يفكرون في تنويع تحالفاتهم بعيدًا عن القطب الأمريكي الأوحد، وهو ما يمثل تحولًا استراتيجيًا على المدى الطويل.
الكل خاسر… والربح مؤقت
الحصيلة النهائية للمشهد تُظهر أن لا طرف خرج منتصرًا بشكل حاسم:
إيران كسبت نقاطًا رمزية وسياسية، لكنها لا تزال محاصرة اقتصاديًا.
إسرائيل أظهرت قوة، لكنها خسرت صورة الدولة الأخلاقية.
أمريكا حافظت على توازن مرحلي، لكنها تخسر تدريجيًا عمقها الاستراتيجي.
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن المنطقة دخلت طورًا جديدًا من “اللانصر” و”اللاحسم”، حيث لم تعد القوة وحدها كافية للهيمنة، ولم تعد الردود الكلاسيكية كفيلة بإخماد نار الصراع. ويبقى المواطن العربي، في النهاية، هو الضحية المستمرة لهذه الحروب بالوكالة والصراعات الكبرى.
خالص تحياتى
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية – زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا