
شيء من الزَّهَق.. بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة
بات الناس ضيّقي الخُلق، كأنّ صدورهم جُحر أخطبوط، لا تتسع لهمسة، ولا تطول لحديث. لم تعد فيهم رغبة للدردشة، ولا شغفٌ بالوصال؛ غدا التواصل عبئًا يُؤدى كواجب ثقيل، لا أكثر.
صاروا “جارحين كالصقور”؛ تلسعهم كلمة، أو يلامسهم أدنى حدّ من الخصام، فتراهم ينفجرون كما لو كانوا عوادم سيارة مرّ على صنعها قرن من الزمان!
وغدوا “خائفين وجلين”؛ تلاشت أحلامهم، وتحوّلت أمانيهم إلى كوابيس تَحُوم حولهم بلا رحمة.
أُدرك تمامًا أن الحياة مُرهقة، وأن الزمان لا يرحم، وكلّما تقدم بنا العمر، أخذ منّا شيئًا: سندًا غاب، أو رفيقًا تخلّى، أو حبيبًا خذل. وإن سلِمنا من هؤلاء، داهمتنا الأمراض وسرق الجسدُ عافيته. قلّما ينجو أحد من صدمات الأيام.
حين يكبر أولادنا، ينشغلون بحياتهم، وتغدو هواتفنا نافذتنا الوحيدة عليهم؛ ننتظر أن يمنّوا علينا ببعض أصواتهم.
ثم تمضي الأيام أبعد من ذلك؛ يُفجعنا الدهر بمن نحب، واحدًا تلو الآخر. تُغلق المجالس التي كانت تضجّ بالحياة، ومن بقي من معارفنا… لا يملكون لنا سوى الدعاء بالراحة، والراحة هنا يا صديقي: الاختفاء الأبدي!
لا تظننّ أننا بعيدون عن سرير يغدو هو الوطن كلّه، نُصبح عاجزين عن الحركة، نرجو فقط من يساعدنا على قضاء حاجتنا بأقل قدر من الألم وبعض الكرامة.
الزمان غادر، لا يُؤتمن، لا توقيت له ولا عنوان. والحياة كما قال الحلاج:
طلبتُ المستقرَّ بكلّ أرضٍ
فلم أرَ لي بأرضٍ مستقرّا
وذُقتُ من الزمان وذاقَ منّي
فوجدتُ مذاقهُ حلوًا ومُرّا
هي حياة شاقّة، مؤبّدة، لا راحة فيها. فكن فيها رقيقًا، ودودًا، عطوفًا على من حولك، فالسنون إن هدّتك، والأحداث إن نهبتك، لن يبقى لك سوى مَن يُربّت على كتفك، أو يهاتفك لتشعر أنك لست منسيًا في ركن الحياة.