آراء وتحليلات

الإعلام المصري في مواجهة الأزمات.. بين الدور الوطني وتحديات المرحلة

بقلم /سهام عزالدين جبريل

في زمن ثورة الاتصالات وتدفق المعلومات وأدواته المتطورة والتى تمثل أحد أهم آليات الاتصال الحديثة والإعلام الجديد الذى هو أساس تنطلق منه مسؤلية البناء الثقافى والقيمى وإعلام المجتمع وبناؤة من خلال ادوات اتصالية متطورة لفم يعد الإعلام مجرد كلمة أو خبر او حدث تتداوله وسائل الإعلام وتتناقله الصفحات ولم يعد الإعلام مجرد ناقل للخبر، بل يصبح طرفًا فاعلًا في صناعة الحدث، وتوجيه الرأي العام، وتثبيت الثقة في الدولة وبناء المجتمع على النسق القيمى والوطنى . واليوم، تقف مصر على مفترق أزمات متعددة، ما يجعل من الإعلام أداة أمن قومي بامتياز، وسلاحًا ناعمًا لا يقل أهمية عن أي أداة تقليدية في إدارة الأزمات.
فالإعلام يلعب دورا هاما فى إدارة الأزمات حيث مناط له دور محوري ومسؤلية مضاعفة فلم تعد مسؤلية
إدارة الأزمات حكرًا على غرف العمليات الأمنية أو السياسية فقط ، بل باتت تبدأ من شاشة التلفاز، وتمر عبر المذياع، وتنتشر عبر مواقع التواصل، وتنتهي في وجدان المواطن الذى من خلال رؤية الإعلام يصدر للمواطن الرؤية المستنيرة التى تصنع رأى عام مستنير تجاه القضايا الحيوية والحياتية لذا فالإعلام في مثل هذه اللحظات مطالب بأن يكون عين الدولة وأذن المواطن، يعرض الحقيقة دون تهويل أو تهوين، ويطمئن دون تزييف، ويحلل دون تخويف.
ويتمثل دور الإعلام المحترف في الأزمات في ثلاثة مستويات متكاملة:
١-التحذير المبكر والتنبيه من تصاعد الأخطار المحتملة.

٢-نشر المعلومات الدقيقة لحظة بلحظة من مصادر موثوقة، دون مساحة للشائعات.

٣-إعادة بناء الوعي المجتمعي بعد تجاوز الأزمة، وتقديم دروس مستفادة تقود إلى التحصين لا النسيان.

ويبقى الإعلام بهذا صانع ومبادر فى بناء الوعي والرأي العام
فالإعلام ليس فقط مرآة الواقع، بل أداة لتشكيله. فصناعة الوعي من أهم أدواره في الأوقات العادية والاستثنائية على السواء، إذ تتجاوز نقل الحدث إلى تفسيره، وتخاطب عقل المواطن لا مشاعره فقط.

وفي أوقات الأزمات، تبرز الحاجة إلى رأي عام مستنير، لا ينجرّ خلف العناوين المثيرة أو الحملات الموجهة، بل يبني مواقفه بناءً على الفهم العميق والسياق. وهنا يأتي دور الإعلام التنويري الذي لا يكتفي بنقل الأخبار، بل:

*يُفسّر خلفيات القرارات.

*يُقدّم تحليلات موضوعية من مصادر موثوقة.

*يُسلّط الضوء على التحديات من دون تهويل أو تسطيح.

*يُعزّز الانتماء الوطني من خلال استدعاء الخبرات التاريخية والنجاحات المشتركة.

فكلما كان الإعلام أكثر اتزانًا وموضوعية، كان المجتمع أكثر قدرة على مقاومة الانقسام، والصمود أمام محاولات التشكيك، والتمييز بين الحقيقة والتضليل.

لقد تميز الإعلام المصرى بادواته المتنوعة مما وضعه ذلك التميز تحت المجهر ومن خلال المشهد نرى أنه خلال السنوات الأخيرة، أصبح الإعلام المصري حاضرًا في مشهد أزمات كثيرة متشابك تمر بالمنطقة فعلى سبيل المثال :
من مواجهة الإرهاب، إلى تداعيات الحرب في غزة، إلى التوترات الإقليمية بين طهران وتل أبيب، ومايحدث فى ليبيا والسودان والمنطقة العربية فضلًا عن ملفات اقتصادية ضاغطة كالتضخم وسعر الصرف، ومخاوف الأمن المائي وأمن البحر الاحمر ومنطقة حوض النيل والقرن الأفريقى
وقد كشف أداء الإعلام المصري في هذه السياقات عن نقاط قوة، وأخرى تحتاج إلى تطوير:
في الملفات السياسية والأمنية، أظهر الإعلام قدرة على المواكبة، لا سيما في تغطية الحرب على غزة، وتحليل انعكاساتها على الأمن القومي العربي.
وفي الشأن الاقتصادي، تأخر الخطاب الإعلامي في مواكبة الإجراءات الحكومية؛ إذ غابت اللغة التفسيرية البسيطة القريبة من المواطن، فانتشرت الشائعات، وضعفت الثقة.
ولعب الإعلام التنموي، دورا هاما داخل المجتمع المحلى وعلى المستوى الوطنى حيث كانت مبادرات هامة مثل “حياة كريمة” فكان ذلك فرصة لتوظيف الإعلام إيجابيًا، وقد نجح بالفعل في تسليط الضوء على مشروعات البنية الأساسية والخدمات.
وكانت الأزمة الاقتصادية… اختبار للمصداقية
أقسى ما يواجه المواطن اليوم ليس ضيق العيش فحسب، بل ضبابية المشهد الإعلامي في شرحه. فحينما تُرفع الأسعار، وتُغيَّر السياسات النقدية، دون خطاب إعلامي يشرح بالأرقام والدلالات، يشعر الناس بأنهم خارج المعادلة، فتسود الروايات البديلة وتنهار الثقة.
الإعلام هنا لا يجب أن يكون لسان الدفاع، بل مرآة الحقيقة. إن المواطن لا يطلب تبريرًا بقدر ما يطلب فهمًا، وتوضيحا ولا يريد شعارات بل معلومات.
وهنا نصل إلى القضية اللهم وهى ما المطلوب من الإعلام المصري الآن؟
الخروج من دوائر التلقين إلى دوائر الشرح والتحليل.
الانفتاح على الإعلام المحلي في المحافظات، لتغطية الأزمات من أرض الواقع لا من استوديوهات بعيدة.
امتلاك استراتيجية استباقية لمكافحة الشائعات، بدلًا من اللهاث وراء نفيها.
التحول إلى إعلام متعدد المنصات يخاطب جميع الفئات العمرية، وخاصة الشباب عبر الوسائط الرقمية.
وفى الختام أرى أن مسؤلية الإعلام اضحت مسؤلية هامة وخطيرة وحيوية و في زمن الأزمات لم تعد مجرد خيارًا بل اضحت مسؤلية وطنية واجتماعية وضرورة هامة لصناعة الوعى وبناء الفكر المستنير
وإذا أراد الإعلام المصري أن يظل فاعلًا في لحظات المصير، فعليه أن يستعيد روح المهنة، وأن يتسلح بالعلم والصدق، وأن يضع المواطن في قلب رسالته، لا على هامشها.
ففي زمن الضغوط… الكلمة الصادقة قد تصنع طمأنينة، والتحليل الواعي قد يجنّب وطنًا من الانزلاق، والإعلام المسؤول قد يكون طوق نجاة قبل فوات الأوان واكرر مرة أخرى الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لجلب الرفاهية والتسلية بل هو صانع وعامل هام فى بناء القيم والحفاظ على الهوية صناعة رأى عام مستنير تجاه المجتمع والوطن
خالص تحياتى
دكتور /سهام عزالدين جبريل
دكتوراه فى الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
زمالة فى الدراسات الاستراتيجية وقضايا الأمن القومى