
على الضفة الأخرى من النهر.. بقلم / عادل رستم
كان صغيري يجلس وحده عند حافة البحر، تغمره السكينة، وتحمل أنامله شيئًا من براءته وهو يرسم على الرمال ملامح حلمٍ وديع…
بنى قصرًا هشًا من الحبات الناعمة، وأسكنه آماله الصغيرة، لكنه ما لبث أن انهار تحت وقع خطواتٍ عابثة لم تُبالِ بما شُيّد.
ذلك المشهد، وإن بدا عابرًا في الطفولة، يرافقنا حين نكبر…
نحمل في قلوبنا أمنيات نحفرها بعزم، ونرسمها بخيالٍ نقي، وننسجها بخيوط الأمل، فنراها تتشكّل أمام أعيننا كواقعٍ مرتجى.
لكن سرعان ما تهبّ رياحٌ قاسية، تنبع من نفوسٍ مثقلة بالظلمة، فتمحو ما بنيناه بلا هوادة، وكأن شيئًا لم يكن… رغم أن أحلامنا لم تكن من رمال، بل من أعماق الروح.
على الضفة الأخرى من النهر، حيث كان القلب أكبر من العالم، كنا نخبئ أحلامنا بين العقل والعاطفة، نحرسها كما يفعل الطائر حين يدفن بيضه في ركنٍ يظنه آمنًا.
لكنّ الزوايا لم تعد كما كانت، والأمان بات مؤقتًا، والرياح لا تزال تعصف، والأحلام تنهض كل مرة مثقلة بندوب السقوط، لكنها لا تفقد رغبتها في الطيران.
كل صباح، نسافر في دواخلنا لنرسم حلماً جديداً، نبنيه على أرض الرجاء، ونمدّه بأوتاد الإرادة، كمركبٍ صغير يشق الماء بهدوء…
لكن سرعان ما تتقلب السماء، وتأتي الريح بما لا تشتهي السفن، فنتمايل دون أن ننكسر، ونواصل الطريق بنفس عنيدة وقلبٍ لا يزال يحلم.
وبين النهر والبحر تسكن الكلمات
إهداء
إلى من عرف كيف يحوّل الألم إلى حكاية، والحكاية إلى دهشة، والضيق إلى سردٍ يتسع للعالم…
إلى من كتب من غرفته ففتح لنا أبواب الحرف على اتساعها،
إلى د. صلاح، صاحب الروح المتقدة والكلمة التي تشعل فينا وهج الكتابة…
أهدي هذه السطور، محمّلة بكثير من الامتنان، وبعضٍ من الحنين، وكلّ التقدير.