آراء وتحليلات

المشهد فى سوريا : من فوضى السلاح إلى اختبار الدولة

بقلم:/ سهام عزالدين جبريل

أن مايحدث على أرض سوريا أمر يثير التساؤل والتوجيه والخوف على الإقليم الشمالى من الارض العربية ومن الجمهورية العربية المتحدة التى كانت يوما من اقوى التحالفات القومية والوطنية فى المنطقة العربية ، واليوم تغير المشهد وأصبح مشهدا هزيلا وضعيفا يثير التوجس والخوف من شبح أن بطولة مخطط التقسيم والتفتيت لللمنطقة ، فمنذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، لم تهدأ الأرض تحت أقدام السوريين. لكن التحول الجذري الذي وقع في ديسمبر 2024، بسقوط نظام بشار الأسد، أدخل البلاد في فصل جديد بالغ التعقيد، عنوانه: غياب الدولة، صراع البنادق، ومحاولات مضنية لاستعادة السيادة الوطنية.

اليوم، وبعد أكثر من ستة أشهر على بداية المرحلة الانتقالية، تقف سوريا على مفترق طرق حاسم: هل تخرج من عنق الزجاجة؟ أم تعود إلى دورة الانقسام والاقتتال؟

المشهد السياسي: حكومة انتقالية بلا أرضية صلبة

مع انهيار النظام السابق، تولّى أحمد الشرا قيادة حكومة انتقالية بدعم من أطراف دولية وإقليمية، وتم تنظيم “مؤتمر الحوار الوطني” في فبراير 2025. لكن غياب عدد كبير من القوى الفاعلة عن المؤتمر، لا سيما الفصائل الكردية والمعارضة المسلحة، جعل العملية السياسية تفتقر للتمثيل المتوازن.

الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في أغسطس المقبل قد تفتح نافذة أمل، لكنها أيضًا محفوفة بالمخاطر، في ظل غياب الرقابة الدولية واستمرار النزاع المسلح في عدة مناطق.

الأزمة الأمنية: خارطة بنادق بديلة عن مؤسسات

لم يتوقف صوت الرصاص في سوريا. في الجنوب، وتحديدًا محافظة السويداء، اشتعلت اشتباكات دموية بين ميليشيات درزية وقبائل بدوية، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، في ظل انسحاب قوات الجيش وغياب الأمن المركزي.

في دمشق، شهدت كنيسة مار إلياس تفجيرًا إرهابيًا أودى بحياة العشرات، في مؤشر على عودة نشاط تنظيم “داعش” من جديد. أما على الحدود اللبنانية، فقد اندلعت مواجهات بين الجيش السوري وعناصر حزب الله، ما يهدد بإشعال جبهة جديدة في بلدٍ أنهكته الجبهات المفتوحة وغذتةالنعرات الطائفية والعشائرية والقبلية وفتتت نسيجة الوطنى لمصالح قوى خارجية

التدخل الإقليمي: سوريا كساحة تصفية حسابات

تستمر إسرائيل في شن ضربات جوية على مواقع عسكرية في دمشق والسويداء، بزعم مواجهة تهديدات أمنية، بينما تتهمها الحكومة الانتقالية بمحاولة فرض فوضى دائمة في الجنوب السوري، مستغلة هشاشة الوضع.

من جهتها، تواصل تركيا دعم فصائل مسلحة شمال سوريا، بينما تحتفظ الولايات المتحدة وروسيا بمواقع استراتيجية في الشرق والشمال الشرقي، ما يعكس استمرار “اللعبة الكبرى” فوق الأراضي السورية.

الأهمية الجيواستراتيجية لسوريا: لماذا لا تُترك لحالها؟

تُعد سوريا من أكثر الدول حساسية من الناحية الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر حجم التدخلات الدولية والإقليمية في شؤونها منذ اندلاع الأزمة عام 2011.

فمن جهة، تشكل سوريا عقدة جغرافية تربط بين ثلاث قارات: آسيا، وأوروبا، وأفريقيا. وهي تطل على شواطئ البحر المتوسط، وتملك منافذ برية وحدودية مع تركيا، العراق، الأردن، لبنان، وفلسطين المحتلة.،
ومن جهة أخرى، تتحكم سوريا في طرق نقل الطاقة الإقليمية وخطوط الغاز المحتملة من الخليج نحو أوروبا، كما أنها كانت جزءًا من مشاريع دولية لمدّ الأنابيب مثل “خط الغاز العربي”، ما جعلها موضع صراع استثماري وجيوسياسي شرس.

هذا الموقع جعل من سوريا:

ساحة تنافس بين روسيا والولايات المتحدة على قواعد عسكرية ونفوذ بحري في طرطوس والحسكة.

جبهة صراع بين إيران وإسرائيل على السيطرة والنفوذ الحدودي.

منطقة عازلة تسعى تركيا للسيطرة عليها لتأمين عمقها الأمني ضد الجماعات الكردية.

كما تلعب سوريا دورًا مفصليًا في موازين القوى في الإقليم، إذ إن أي تغير في تركيبتها السياسية أو العسكرية ينعكس فورًا على لبنان والعراق والأردن وفلسطين.

وبالتالي، فإن الأزمة السورية ليست مجرد شأناً داخلياً، بل هى مفتاح لمخطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.

البُعد الإنساني: معاناة ممتدة

لا تزال سوريا تعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 16 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات عاجلة، في ظل انهيار الخدمات، وانعدام الأمن الغذائي، وتشريد الملايين.

اللاجئون السوريون في دول الجوار (لبنان، الأردن، تركيا، العراق، ومصر) يواجهون أوضاعًا مأساوية، بين تهديدات بالترحيل، وغياب فرص الحياة الكريمة، واستغلالهم كورقة سياسية في الصراع

إلى أين تمضي سوريا؟
الوضع السوري أشبه بحقل ألغام سياسي وأمني. وعلى الرغم من التقدم الرمزي الذي تمثل في تشكيل حكومة انتقالية والدعوة لانتخابات، إلا أن الاستقرار ما زال بعيدًا. إن بناء سوريا جديدة لن يتم بإقصاء الأطراف أو عبر التدخلات الخارجية، بل عبر مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للمواطنة، ويكرّس مفهوم الدولة بعيدًا عن الطائفية والمناطقية والسلاح.
وفى النهاية ومن وجهة نظرى ونظر معظم المحليين الاستراتيجية أن سوريا لا تحتاج إلى مجرد حلول سياسية فقط ، بل تحتاج إلى مصالحة تاريخية اجتماعية ، تبدأ من الداخل وتخاطب الجراح المجتمعية والذاكرة الجمعية الوطنية لجموع الشعب السورى الذى عانى الكثير ومازال . فإما أن تمضي في طريق بناء الدولة واستقرارها ، أو أن تظل رهينة لصراعات الآخرين وتدخل القوى الدولية والإقليمية على أرضها !!!
حفظ الله أرض سوريا وشعبها العظيم الذى كان جزء من حلم عظيم رسمة زعماء المنطقة وتبلور فى نموذج الإقليم الشمالى من الجمهورية العربية المتحدة .

خالص تحياتى
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
– زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا