مقالات

طاقة نور (3) أمانينا بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة

عن عبد الله بن عمر، قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يومًا: “تمنّوا”.

فشرع القوم يتمنّون.
فقالوا له: تَمَنَّ أنت يا أمير المؤمنين.
فقال: “أتمنى أن تملأ هذه الدار رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح”.

وجاء عن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قوله: “إن لي نفسًا توّاقة، ما بلغت أمرًا إلا تاقت لما هو أعلى منه؛ تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة فتزوجتها، ثم تاقت إلى الإمارة فنلتها، ثم تاقت إلى الخلافة فبلغتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة، فأرجو أن أكون من أهلها.”

ولأن الأماني ليست مجرد خيال، بل بوصلة تَوجّه الروح، أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم-بقوله: “إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمناه، فإنه لا يدري ما يُكتب له من أُمنيته.”

فماذا عنك، عزيزي القارئ؟

ما أمانيك التي تسكن قلبك وتضيء دربك؟
بالنسبة لي، فلدي ثلاث أمنيات: أمنية أسرية، وأخرى ذاتية، وثالثة عامة.

أما الأمنية الأسرية؛ فآمل أن أن أرى أبنائي وأحفادي من السابقين إلى الخيرات، لا تفتنهم الدنيا عن الغاية الكبرى التي خُلقنا لها: عبادة الله، بمعناها الشامل الذي يحكم كل شؤون الحياة.

أرجو أن يكونوا ممن يحبون الخير لغيرهم، أن تتحقق لهم أحلامهم المشروعة، وأن يظلوا مرفوعي الهامة، أعزاء النفس، أيديهم عليا بالعطاء لا بالسؤال، لا يحتاجون أحدًا إلا الله، وأتمنى أن يكون أكثرهم -أو جميعهم- من “الولد الصالح” الذي يدعو لي بعد موتي.

وأما الأمنية الذاتية؛ فأرجو أن يجعل الله ما أكتبه علمًا نافعًا يأتيني ثوابه بعد موتي، وأن يختم لي بخاتمة السعادة، دون أن تزلّ قدمي، وأن أموت مستورًا، وألا أكون يومًا عبئًا على أحد، ولا أرى في أعين الناس نظرات الشفقة، وأن يجمعني الله بزوجتي في هذه الدنيا وفي الفردوس الأعلى قبل أن تصيبنا قسوة الزمان.

وأما الأمنية العامة؛ فأحلم بأن تكون أُمّتى لها الريادة كما كانت، وأن يسود العلم ويعلو أهله، ويورى الجهل والجاهلين، وأحلم بمصر رائدة، في مقدّمة الأمم، تقود العالم بالحق والنور.
إنها أمانٍ نعيش بها، ونموت عليها.

ليست كلها بأيدينا، لكننا نملك السعي، وإن لم تُكتب لنا، فحسبنا أننا حيينا في ظلالها الجميلة.
مُنًى، إِن تكنْ حقًّا تكنْ أحسنَ المُنى
وإلّا فقد عِشنا بها زمنًا رَغْدَا