آراء وتحليلات

هل المجاعة في غزة شأن داخلى؟!

دكتور / السيد مرسى

أيها السادة العرب… لا تهرعوا، لا تتحركوا، فالمجاعة فى غزة مجرد “إشاعة غذائية”! يقولون هناك جوع… لكن لا تقلقوا، فالقمة العربية القادمة ستنعقد تحت شعار: “جوعكم لا يعنينا.. وموتكم شأني ومنشغلون بانتخابات لا تعني شيئًا إلا تبديل مقاعد المصفقين. هؤلاء الذين إذا سألتهم عن غزة قالوا: “نحن مع القضية قلبًا وقالبًا… ولكننا ننتظر بيان الاتحاد الأوروبي لنعرف موقفنا على وجه التحديد ! ، أما الغرب، يقول نحن مع حقوق الإنسان … ثم يضغطون زر الموافقة على تزويد الاحتلال بمزيد من الذخائر والصواريخ، لأن الديمقراطية لا تكتمل بدون مشاهد الدماء، وحقوق الإنسان لا تُمنح لمن هو تحت الحصار… بل تُرسل له عبر الطائرات الحربية، غزة اليوم لا تبحث عن طعام… بل تبحث عن كاميرا تنقل مشهد طفل يحتضر من الجوع حتى يتحرك الضمير العالمي الذي تم تخزينه في ثلاجات الأمم المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية! الجائع في غزة لا يموت فقط من فقدان الخبز بل يموت من سخرية العرب وغدر الغرب… يموت عندما يسمع زعيمًا عربيًا يقول: “نحن نتابع بقلق بالغ”… وكأن قلقه سيُطهى على نار هادئة ليصبح وجبة عشاء لألف يتيم! أما المثقفون العرب، فغالبيتهم في سبات عميق، يتحدثون عن “حق العودة” وهم جالسون في مقاهي باريس ولندن يحتسون الحرية الباردة بينما غزة تشرب من دمها الساخن الديمقراطية الغربية والعربية تجاه غزة مثل آلة موسيقية فاسدة: تصدر أصواتًا كثيرة بلا معنى، وتُغني على جثث الصغار ألحان الشفقة الكاذبة في غزة، لا يحتاج الطفل إلى عروبة ولا إلى ديمقراطية، هو يحتاج إلى لقمة خبز لا تصنعها القرارات الأممية ولا يوزعها المبعوثون الأمميون بابتساماتهم الباردة… يحتاجها من ضمير لم يتعفن بعد تحت نفايات السياسات العاهرة.

أخبروني بالله عليكم: كيف يُمكن لمليار عربي لديهم الانسانية؟ ويصبح الجوع في غزة “شأن داخلي” بينما تفيض موائدهم بأطايب الطعام… ثم يرمون بقايا الطعام في القمامة، نعم لديهم قسوة لا تليق ببشر، بل كأنها قسوة أشد من حجر، فالأطفال والشيوخ في غزة يتضوّرون جوعًا، يبحثون عن لقمة وسط الركام، عن شربة ماء والعرب يجتمعون في القصور ويتنافسون في المهرجانات والاستقبالات الحافلة… ويتنافسون أيضًا في الصمت والخنوع. كأن غزة لا تعنيهم، كأن الجوع فيها لا يقرع أسماعهم، كأن دماء أطفالها لا تصرخ في وجوههم. وكلما مات طفل جوعًا، زادت براميل النفط لمعانًا في عواصمهم، وازدادت شاشاتهم سطوعًا لإعلان أغنية جديدة في مهرجان ….أو صفقة رياضية أو تطبيع جديد! كم أنتم قساة… حتى صارت قلوبهم مصنوعة من خشب لا تتحرك فيها قطرة دم، أو كأنها حجارة لا تنفجر منها الأنهار، بل تنفجر منها الخيانة.

الى اللقاء : دكتور / السيد مرسى