
إذا كذبتَ… فاصدّق! بقلم / سوسن حجاب
نعم، فهل يُصدق أحد في العالم، كل العالم وليس فقط العربي أو الإسلامي، أو يتخيل أو يظن ـ مجرد الظن ـ أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر “أخلاقية” في العالم؟ وليس هذا التصريح للإعلام فقط، بل ليرى العالم ويُعاين المذابح اليومية التي تحدث في غزة والضفة وكل فلسطين، أو الاعتداءات المتواصلة على سوريا، والتي يُبشّرون بأنها ستكون أول من سيُلحق بالاتفاق الإبراهيمي (التطبيع)، أو لبنان التي التزمت بكل القرارات الدولية ولم ترد على أي اعتداء منذ وقف إطلاق النار قبل شهور، والتي إن ردّت، ستشتعل الدعاية الصهيونية، ويُردّد معها العالم ـ كالببغاء ـ أن لبنان خرق اتفاق وقف إطلاق النار! كل هذه المذابح والاعتداءات طوال ساعات ودقائق وثواني اليوم، والاعتداء على إيران لمجرد أنها شرعت في إنتاج الطاقة النووية (السلمية)…
نعود إلى “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”! فهم يُطلقون التصريحات ويُكرّرونها حتى تصبح من المسلّمات التي لا يُشكّك فيها أحد، كما هو الحال مع “الهولوكوست” أو المحرقة النازية. والشاهد أنهم لا يعنيهم من يعارضهم، ولا يعنيهم أنهم يكذبون، وأن كذبهم أصبح مفضوحًا مكشوفًا…
ما يعنيهم فقط أنهم يُصدّقون أنفسهم، ويريدون من العالم أن يُصدّقهم، ويعوّلون على الزمن، فبمرور الوقت، تترسّخ الشعارات، وتلتصق في العقول والأذهان والوجدان. ولقائلٍ أن يقول إنّه عندما تتأهب الحقيقة للظهور، تكون الأكاذيب قد قطعت نصف العالم!
كما أنهم يلاحقون كل من يُشكّك في روايتهم، ويُهاجمونه، ويخلقون حالة من الرعب لا ينجو منها إلا القلائل… وأيضًا، من يُصدّق أن ترامب، الذي يظن نفسه مبعوث العناية الإلهية، يُطالب أو يأمل أو يوحي للعالم أنه يستحق جائزة نوبل للسلام؟! ولا أدري أيّ سلام يقصد؟! فقد انخرط في كل النزاعات، وشارك فيها، ودعم الظالم على المظلوم. وآخر ما سمعناه هو موافقة البنتاجون على بيع ذخائر وأسلحة وقنابل لإسرائيل بملايين الدولارات! ثم تصريح ترامب أنه سيحاول “إقناع” نتنياهو بوقف الحرب على غزة! لكنه يُصدّق نفسه أنه “صانع السلام”! ولا يعنيه رأي العالم، الذي يبدو أن كثيرين فيه يُصدّقون هذه الترهات، ليس من كثرة ترديدها فحسب، ولكن من فرط الثقة التي تبدو على أصحابها.
مندوب إسرائيل في مجلس الأمن يرتدي دبّوسًا على شكل نجمة داوود، عليه شعار: Never again – أي: “لن تتكرر مرة أخرى”، في إشارة للهولوكوست، وتشبيه حماس بالنازية! هي أشياء صغيرة لكنها تحمل رسائل خطيرة، ومغزى أخطر: هو المظلومية التي يدّعيها هؤلاء على الدوام، والعين الحمراء التي يُظهرونها لكل من يعترض إذا امتلأت كفّ اللئيم من الغنى تمايل إعجابًا وقال: أنا أنا… ولكن كريم الأصل كالغصن كلما تحمّل أثمارًا… تواضع وانحنى.
أليس هذا المثل ينطبق عليهم؟ الذين امتلكوا أسباب القوة والهيمنة، فعاثوا في الأرض تدميرًا وفسادًا بغير رادع… فهم الرادع، ولكن لغيرهم ولكن، أين نحن؟ وأين الآخرون؟ هل نجلس وننتظر عدالة السماء؟ إن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة، وواضح أن السماء تقف مع المجتهد، الذي يعمل بإخلاص، حتى لو كان الوحيد الذي يُصدّق ذلك.
قرأتُ مقالًا لأحد الكتّاب في صحيفة عبرية، يقول فيه: “لقد انتصرنا ليس بسبب الأسلحة والذخائر، ولكن بسبب العناية الإلهية التي ساندتنا ووقفت إلى جانبنا!” إلى هذا الحد، هم مؤمنون بما يفعلون، فما الحاجة لرأي الآخرين؟! عندما قال اليابانيون عقب هيروشيما وناجازاكي: “لقد هُزمنا من معمل المدرسة” عرفوا حينها أن العلم هو ما سيُعيدهم إلى مصاف الدول الكبرى، التي لن تُهزم مرة أخرى. إذن، العلم هو بداية الاستعداد للانتصار. بالعلم والمال يُبنى المجد… ولم يُبنَ مُلكٌ على جهلٍ وإهمال.