
إمسك ورقة وقلم وأكتب هل نحن من نختار… أم أننا نُختار؟
بقلم / عادل رستم
في لحظات الصمت العميق، حين يبتعد صخب الحياة قليلًا، يتسلل سؤال قديم إلى عقولنا: هل نحن أحرار في رسم مصائرنا، أم أن خيوط حياتنا تُحرك من مكان لا نراه؟
بين قبضة القدر وخطوة الإرادة
منذ أن بدأ الإنسان يتأمل وجوده، ظل سؤال واحد يلاحقه عبر العصور: هل أنا سيد قراراتي، أم أنني مجرد راكب في مركب يسير بي حيث يشاء القدر؟
هناك من يرفع راية الحرية، مؤمنًا أن الطريق يُشق بيديه، وأن الهدف يصنعه عقله، وأن الوسيلة يختارها قلبه وإرادته. هؤلاء يرون أن الحياة ساحة مفتوحة، وأننا نحن من نحدد مسارنا بخطواتنا الصغيرة والكبيرة.
وفي الجهة الأخرى، يقف من يوقنون أن المسار مرسوم، وأن كل منعطف وكل محطة ليست سوى فصل في كتاب كتبه الله قبل أن نولد، وأن ما نراه من أحداث وضغوط ومؤثرات ما هي إلا أدوات تدفعنا في اتجاه محدد لا فكاك منه.
لكن بين هذين الموقفين، هناك مساحة رمادية، ربما هي الأقرب للحقيقة: مزيج دقيق بين التسيير والتخيير. إرادتنا تشعل الخطوة الأولى، وسعينا يمدنا بالزخم، لكن التوفيق الإلهي يفتح الأبواب أو يغلقها، والظروف والمصادفات تعيد رسم الطريق كما تشاء. نحن نرسم اللوحة بيد، لكن الأقدار تضع عليها لمساتها الأخيرة.
ولعل الجواب عن هذا السؤال لا يأتي في لحظة وحي، بل يحتاج إلى جلسة هادئة مع الذات، وورقة بيضاء يكتب عليها المرء أهم محطات حياته. أي منها كان ثمرة قرار واعٍ، وأيها جاء نتيجة دفعة من القدر؟ حينها فقط سنكتشف أن الحياة ليست صراعًا بين الحرية والمصير، بل خطوات دقيقة بين الاثنين، تتغير مع كل هدف جديد.
ربما لا نملك حسم الجدل، لكننا نملك أن نحيا بشغف، وأن نسعى بكل ما أوتينا من قوة، تاركين للأقدار أن تضع لمساتها كما تشاء. فالحياة ليست لعبة حظ خالصة، ولا خطة محسوبة بالكامل، بل مزيج بين قلب يختار وعقل يقرر، ويد خفية تُكمل الطريق. وحين نفهم ذلك، نتوقف عن السؤال: “هل أنا مخيَّر أم مُسيَّر؟” ونبدأ بدلًا منه بالسؤال الأهم: “كيف أعيش المساحة التي أملكها بأفضل ما أستطيع؟”