
عم سعيد.. بقلم / سوسن حجاب
عامل النظافة الذى طبقت شهرته الآفاق بعد أن مات! والحمد لله أن للسوشيال ميديا منافع بعد كم المهازل التى أمطرتنا بها وآخرها بعض رواد ومستخدمى التطبيق الشهير التيك توك.
عم سعيد وافته المنية وهو يحمل أداة عمله (المكنسة أو المقشة) بتعبيرنا الدارج ولم يكن حوله أى أحد من الناس فلا رقيب عليه سوى ضميره رغم ضعف الراتب أو المقابل الذى يتقاضاه نظير أن يجعل الشارع نظيفا!تُرى ما الذى بينه وبين ربه ليموت وهو يعمل وفى وجود كاميرا توثق الحدث ؟ لو أراد أن يتعمد ذلك ما استطاع !لم يكن حوله إلا عدد من كلاب الشارع التى أخذت تروح وتجىء حوله وبجانبه وكأنها تشعر بما سيحدث له وكأنها تألفه ويألفها وعندما وقع أسرعت إليه فربما الألفة بنها وبينه قد ولدت معرفة والكلب من طبعه الوفاء لمن يحنو عليه ويرتبط الوفاء دوما فى الأذهان بالكلاب فعدما أراد الشاعر على بن الجهم أن يمدح الخليفة المتوكل قال:أنت كالكلب فى حفاظك للود وكالتيس فى نطاح الخطوب!
عم سعيد هذا عامل النظافة البسيط الشريف يجب أن يكون هو الحدث الذى يتم تداوله (وتشييره) كما يقولون بلغة السوشيال ميديا ولكن ما لفت نظرى فى هذه الحادثة هو أنها قد حدثت لآخرين قبل عم سعيد وفى مجالات أخرى ولكن هو من كان من حظ أسرته أن انتشرت قصته وكانت فاتحة خير عليهم فابنه قد أخذ وعدا بأن يكون مكان والده وهذا أقصى أمانيهم فقد تخطى الثلاثين ولم يعمل بعد، كما أن زوجته ستذهب للعمرة، غير الأموال التى سيحصلون عليها من جهات متعددة رأت فى هذا الرجل قدوة ومثل يجب تكريمه، وكما نقول أن الله يجعل فى المحنة منحة فقد منح الله هذه الأسرة فرصة لتتمتع بالرصيد الذى تركه عائلهم الراحل رصيد الشرف والضمير الحى والأمانة، ونعلم تماما أن لا شىء يعوض مكان الأب أو الزوج.
وستظل الذكرى مقرونة دوما بهذه النهاية المشرفة،
كثيرا ما أتساءل وأتعجب من بعض الأمور المتشابهة فى حدوثها لكن عواقبها أو نتائجها مختلفة مثلا حادث مقتل الفتيات التسعة عشر فى المنوفية وما حدث من اهتمام إعلامى غير مسبوق نتج عنه تبرعات بملايين!نعم ملايين الجنيهات لأسر الضحايا،فى حين حدثت حوادث أخرى مماثلة وراح ضحيتها كثيرون ومرت مرور الكرام إلا من خبر هنا أو هناك،
يقول شوقى :فلأمر ما وسرٍ غامض تسعد النطفة أو يشقى الجنين ..
فوليد تسجد الدنيا له ووليد فى زوايا المهملين، هذا القول ربما ينطبق على شخص مثل الرئيس الأمريكى بوش الإبن الذى قالت والدته عندما سُئلت عن طفولته: أنه كان بليدا ودائما متأخرا فى التحصيل عن أقرانه، لكنه أصبح رئيس أكبر دولة فى العالم! أما فى حالة عم سعيد فربما ينطبق عليه القول أن للحظ عادة مميزة ،فهو يُفضل من لا يعتمدون عليه، وأن الخير كله فى الرضا فإذا كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء، فمن الواضح أن عم سعيد كان راضيا بدليل أنه كان يعمل فى الوقت الذى كان يمكن أن تجده جالسا يرتاح أو مادا يده، ليستجدى الرايح والجاى كما نرى كثيرين، رحم الله عم سعيد وكل عم سعيد لا نعلم عنه شيئا ومات فى هدوء وتجاهل.