آراء وتحليلات

وجبات سياسية فاخرة بطعم الموت

دكتور / السيد مرسى

يبدو أن القرن الواحد والعشرين فيه الناس يتبارون فى سباق الصبر على الجوع… سباق لم تمنحه الأمم المتحدة ميداليات، ويبدو أن البشر لم يعودوا بشراً، بل أصبحوا أرقاماً، وصوراً باهتة فى نشرات الأخبار، و”محتوى إنسانى” صالحاً لجمع التبرعات الموسمية… ثم الحذف بعد انتهاء الحملة.

الأطفال فى الخرطوم وغزة يتسابقون على كسرة خبز، فى الوقت الذى يتسابق فيه السادة القادة على كراسى الحكم، وكأن الكرسى يحتوى على كيس قمح سرى! ،  ستجد فى شوارع الخرطوم، تُوزع النصال بدل الخبز، وفى أزقة غزة يُوزع الموت بدل الحليب، وكلها “سياسات غذائية” ناجحة… فى نظر من يملك الدبابة والطائرة، وعلى موائد “المجتمع الدولى”، يُقدم ملف المجاعة كطبق مقبلات قبل الاجتماع، مع قليل من دموع التماسيح، ورشة ملح من التصريحات الرنانة: “نحن قلقون للغاية”. قلقون لدرجة أنهم ينامون بعد الاجتماع نوماً هانئاً بينما يتساقط الأطفال جوعاً!، أما الإعلام، فقد أبدع فى جعل الجوع أكثر جاذبية للمشاهد: موسيقى حزينة، كاميرا تقترب ببطء من وجه طفل هزيل، تعليق صوتى يقول “ساعدوهم قبل فوات الأوان”. ثم يأتى الإعلان التالى مباشرة: عرض خاص على وجبة البيتزا! أو رحلة سياحية الى جزر المالديف

في السودان… لا تسقط القنابل فقط، بل يسقط معها آخر فتات من الكرامة الإنسانية. هناك، المجاعة ليست كارثة طبيعية، بل مشروع سياسى ناجح بمشاركات عربية أصيلة، تصنع المجاعة مغموسة بالنذالة.

فى غزة… القصة أكثر سفورًا. هنا لا تكتفى المجاعة بأن تكون “كارثة طبيعية” كما يحب العالم أن يسميها، بل هى مجاعة صناعية الصنع، موقعة بأختام الحصار، ومعزوفة على أوتار الصمت الدولى. أطفال يمضغون الهواء، أمهات يطهوْن الماء، وشيوخ يتفاوضون مع أرغفة الخبز وكأنها أسلحة استراتيجية.

العالم يتألم… لكن من شدة الضحك خلف الأبواب المغلقة. الدول الكبرى تبتسم وهى ترسل شحنات “المساعدات”، تمامًا كما يبتسم القاتل حين يرسل باقة ورد لأسرة ضحيته. أما الحكومات …، فمشغولة بعقد مؤتمرات عن التنمية المستدامة… بينما المواطن يبحث عن كسرة خبز مستدامة.

وأخيرا …فالمجاعة ليست نقصًا فى الطعام، بل فائضًا فى النذالة. فالأرض قادرة على أن تُطعم كل فم، لكن السياسة قررت أن الجوع أكثر ربحًا من الخبز والبطون الفارغة أسهل فى الإخضاع من العقول الممتلئة.

والى اللقاء : دكتور / السيد مرسى