
الوفاء الزائف بقلم عادل رستم
عجيب أمر هذا الزمن… وفاء كثير، لكن على ورق افتراضي!
صرنا نعيش حياة “فلتر” كامل، من الملابس إلى القيم، وكلها تجميل خارجي يخفي خواء داخلي. حتى المودة باتت “بوست” و”لايك” و”إيموجي” قلب أحمر.
تكتب “صباح الخير” فتأتيك تعليقات أطول من قائمة التسوق، وكأنك منقذ البشرية، بينما تكتب كلامًا عميقًا صادقًا… فيُعامل كأنه شفرة سرية لا يفهمها أحد.
أما أعياد الميلاد، فحدّث ولا حرج… تنهال التهاني وكأن صاحب العيد مخلّص الأمة، بينما في الحقيقة أقرب الناس إليه لا يعرفون متى ولد أصلًا.
سيل من الكلمات المنمقة، صور، قلوب، و”أنت أغلى الناس”… وفي الواقع، لو طلب كوب ماء لما وجده.
وحتى في المواقف الصعبة، ترى الوفاء الزائف في أبهى صوره؛ صديق يكتب عنك منشور دعم مؤثر بينما يترك هاتفك يرن في جيبه دون رد.
زملاء يرسلون “خليك قوي” في التعليقات، لكنك لو سقطت في الشارع سيمرون بجوارك وكأنهم لا يعرفونك.
بل صار بعض الناس يقيسون الوفاء بعدد الإشارات في المنشورات وعدد الصور المشتركة، ناسين أن الوفاء الحقيقي لا يُقاس بعدد “اللايكات”، بل بعدد المرات التي كانوا فيها إلى جوارك دون أن تطلب.
الوفاء الزائف ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل علامة على تصدّع المنظومة الأخلاقية في مجتمعٍ أصبح فيه المظهر أهم من الجوهر، والكلمة أهم من الفعل، والصورة أهم من الحقيقة.
وحين تتآكل القيم، لا يبقى لنا إلا أن نُزيّن الرماد ونسمّيه وردًا… حتى يصدق بعضنا الكذبة، ونمشي جميعًا في جنازة الوفاء الحقيقي، بينما نرفع لافتات الوفاء المزوّر أو المزيف بميت لون.