مقالات

الحرب في غزة بين مسار الحرب ومسار الهدنة: الدور المصري في قلب المشهد

بقلم / سهام عزالدين جبريل

منذ اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، تتأرجح المنطقة بين مسارين متوازيين: مسار الحرب الذي يزداد قسوة مع استمرار العمليات العسكرية وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، ومسار الهدنة الذي تدفع إليه الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية في محاولة لوقف نزيف الدم وفتح الطريق أمام تسوية أوسع. وفي قلب هذين المسارين، يبرز الدور المصري كأحد أهم المحددات في صياغة المشهد الراهن.

*مسار الحرب
شهدت غزة خلال الأسابيع الماضية تصعيدًا عسكريًا متواصلاً، حيث تستهدف العمليات الإسرائيلية البنية التحتية والبيوت السكنية، مما أفضى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة. استمرار العمليات يعكس تعقيد الموقف وغياب أفق الحل العسكري الحاسم، بل ويفتح المجال أمام مزيد من التوترات الإقليمية.

* مسار الهدنة
بالمقابل، تدفع أطراف دولية وإقليمية نحو هدنة إنسانية تُعيد بعض التوازن للمشهد، وتسمح بإدخال المساعدات والإغاثة. وهنا يظهر الدور المصري المحوري عبر الوساطة النشطة بين الأطراف، حيث تعمل القاهرة على فتح قنوات تفاوضية، مستندة إلى خبرتها التاريخية في إدارة الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

*زيارة وزير الخارجية المصري ودلالاتها
تمثل زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى معبر رفح يوم أمس الاثنين التى جاءت كرسالة سياسية بليغة، تؤكد أن مصر ليست مجرد وسيط، بل طرف أصيل في صياغة مسارات الحل. تصريحاته أمام المعبر شددت على ضرورة وقف الحرب فورًا، وفتح المعابر لإدخال المساعدات، والحفاظ على الحقوق الفلسطينية. هذه الخطوة تمثل تأكيدًا عمليًا على التزام مصر بمسؤوليتها التاريخية، ورسالة واضحة بأن الوضع الإنساني في غزة لم يعد يحتمل أي مماطلة.

* الموقف المصري الثابت
على امتداد تاريخ الصراع، ظل الموقف المصري ثابتًا وداعمًا للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية للأمن القومي المصري والعربي. من رعاية المصالحة الفلسطينية، إلى دعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لم تحِد القاهرة عن موقفها.

بل إن الزيارة الأخيرة جاءت لتعزز هذا الثبات، وتؤكد أن مصر ترى في استمرار الحرب تهديدًا للأمن الإقليمي، وفرصة لتدويل الأزمة بما يضر بالقضية الفلسطينية نفسها.

وبين مسار الحرب ومسار الهدنة، تقف مصر بصلابة في قلب المعادلة، ساعية إلى إعادة البوصلة نحو الحل السياسي العادل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه إنسانيًا. والزيارة الأخيرة لوزير الخارجية عند معبر رفح لم تكن مجرد خطوة بروتوكولية، بل إشارة قوية إلى أن القاهرة ستظل صمام الأمان للقضية الفلسطينية، وحائط الصد الأول أمام محاولات تهميشها أو تصفيتها.

فالحقيقة الجغرافية والتاريخية تقول أن مصر ليست مجرد وسيط، بل هى فى قلب المشهد الإقليمي، وأن تحركاتها ليست رد فعل وإنما تعكس رؤية استراتيجية قومية ثابتة لحماية القضية الفلسطينية ومنع انفجار الأوضاع بما يهدد الأمن القومي المصري بل الأمن القومى العربى والإقليمي.
والشواهد كلها تؤكد أن مصر في قلب المشهد.

فلا يمكن قراءة المشهد الراهن في غزة بمعزل عن الدور المصري الذي ظلّ ثابتًا وحاضرًا منذ عقود، فالقاهرة ليست مجرد طرف وسيط، وإنما فاعل رئيسي في قلب المعادلة. فالموقف المصري يقوم على ثوابت تاريخية تدعم الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وتعمل على منع أي محاولات لطمس هويته.

وتؤكد زيارة وزير الخارجية بدر عبد العاطي إلى معبر رفح وما صاحبها من رسائل قوية، أن مصر تمسك بخيوط التوازن بين مسار الحرب ومسار الهدنة، وتتحرك بمنطق حماية الأمن الإقليمي وضمان وصول المساعدات الإنسانية ومنع تصعيد قد يهدد استقرار المنطقة بأسرها.

بهذا المعنى، تبقى مصر في قلب المشهد، صوتًا عاقلًا يسعى لتغليب منطق السياسة على منطق السلاح، واضعةً ثقلها السياسي والدبلوماسي لخدمة القضية الفلسطينية، التي تراها جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي ودورها التاريخي في المنطقة.

د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
– زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا
– عضو البرلمان المصري سابقًا