
العدالة ليست نصوص بل تطبيق
دكتور/ السيد مرسى
صدر القانون رقم 164 لسنة 2025 بشأن الإيجارات، فهلل الملاك وصفق المستأجرون على استحياء، فيما جلس المشرّع مطمئنًا إلى أنه قد أرسى قواعد العدالة… على الورق طبعًا. غير أن الحقيقة التى يعرفها كل من خاض معارك الإيجارات فى المحاكم، أن العدالة ليست نصًا جامدًا يُنشر فى الجريدة الرسمية، بل ممارسة حيّة تتنفس بضمير القاضى وحكمة التنفيذ ورحابة روح المجتمع.
على سبيل المثال لا الحصر : القانون ينص على توازن العلاقة بين المالك والمستأجر، لكن هل التوازن يُخلق بحبر؟ ماذا لو وجدنا مأمور التنفيذ يخرج المستأجر المريض من شقته فى ليل شتاء؟ أو قاضياً يحكم بحزم دون أن ينظر إلى واقع المستأجر الذى بالكاد يسدد قوت يومه؟ هنا تتحول النصوص إلى سوط، بدل أن تكون مظلة رحمة ، فالنصوص فى القانون الجديد – كما جرت العادة – أنيقة، مصاغة بعناية، تُشبع شهوة “التقنين”، وتُرضى غرور الدولة الحديثة. لكنها لا تُطعم المالك جائعًا، ولا تقي المستأجر بردًا، ولا تحل مأساة أسرة تبحث عن سقف لا ينهار على رؤوس أطفالها. النصوص مجرّد “خطة معمارية” جميلة، أما العدالة الحقيقية فهى الاسمنت والحديد الذى يضعه التطبيق على الأرض ويتبقى ضمانات تنفيذ فعلي، وآليات قضائية سريعة لفض المنازعات، ومراعاة واقع المناطق الفقيرة التي لا يمكن تطبيق السوق الحر عليها بشكل فجائي ، وفى الجانب الأخر هذا المستأجر القديم، الذى يرى في القانون “تهديدًا” لاستقراره الأسري والمعيشي. كثير منهم تسلّم عقارًا بإيجار رمزي عاش فيه عشرات السنين، وأصبح “بيت العمر”. فبين فئات اجتماعية تعيش بالكاد، وبين قانون يُمهّد لتحرير تدريجي أو إخلاء، تتصاعد المخاوف من “تشريد اجتماعي” غير محسوب العواقب من جراء تشريع مجمد لعقودإن العدالة لا تسكن “المواد القانونية”، بل تسكن عقل من يطبقها وقلبه. فلو قرأ القاضى النص بعين إنسانية، صار القانون “عدلاً”، ولو قرأه بصرامة حرفية، صار القانون “غابة”.
فالقانون الجديد – كغيره – يراهن على أن البشر آلات تنفذ الأوامر، بينما هم بشر من لحم ودم، يتأثرون بالظروف والأزمات والأوبئة والتضخم، وهذه كلها لا تسكن الجريدة الرسمية، بل تسكن قلوب المنفذين.
وأخيرا … العدالة ليست فى القانون 164 لسنة 2025 وحده، بل فى تطبيقه الإنساني مع مراعاة ظروف الأرامل، وكبار السن، وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فى إبداع حلول وسط تحفظ للمالك حقه وتُبقى للمستأجر كرامته، فالتشريع – كما قال القدماء – بلا عدالة تطبيق، كالعسل بلا نحلة: مجرد لزوجة على الورق.
الى اللقاء : دكتور/ السيد مرسى