مقالات

“طاقة نور” هل نُعلن قريبًا وفاة المدرسة؟ بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة

بات من الواضح اليوم أن التعليم التقليدي يعتمد بشكل أساسي على تكديس الدرجات في الامتحانات، لا على بناء الإنسان وتنمية قدراته.

فلم يعد هناك متسع حقيقي للتعبير عن المواهب الكامنة والقدرات المتنوعة لدى الطلاب، مثل: التفكير النقدي، حل المشكلات، الحوار البنّاء، والكتابة الإبداعية. وغابت الأنشطة المدرسية، ومعها اختفت مواهب لطالما نمَت في ظلالها، كالطلاقة اللفظية، التمثيل، إلقاء الشعر، الفنون، والمهارات الرياضية.

في مرحلة ما، وُجهت انتقادات إلى المدارس بأنها تحولت إلى ساحات لكرة القدم، حتى قال أحدهم ساخرًا:

لقد غدتِ المدارسُ في حِماكُمُ***تَذَرُ العلومَ وتلعبُ الفوتبولا
والمقصود بالفتبول هنا (football ) كرة القدم.
لكن الحقيقة أن هذه الأنشطة لم تكن عبئًا على التعليم، بل كانت رافدًا تربويًا غنيًا يعمّق القيم السامية كـ: العمل الجماعي، القيادة، احترام القانون، والانضباط الذاتي.

ويمكن للأنشطة الرياضية، وخصوصًا كرة القدم، أن تغرس قيمًا تربوية كبرى، مثل:
1. (العمل الفريقي)؛ يعمل القائم على النشاط بلفت انتباه الطلاب أثناء ممارسة النشاط إلى أن اللعبة جماعية، وأن الأهم تحقيق تناغم بين الفريق.

2. (القيادة)؛ يركز المشرف على ضرورة انقياد الفريق لرأي الكابتن –القائد-والعمل قدر المستطاع على عدم مخالفته في طريقة اللعب.

3. (تنمية الإرادة)؛ يعمل المشرف على تنمية استثارة دافعية اللاعبين –الطلاب-عندما يصاب مرماهم بهدف، وألا ينهاروا أو يتسلل اليأس إليهم، ويظل الأمل موجود لأخر لحظة.

4. (احترام القانون)؛ يلزم المشرف اللاعبين –الطلاب-بضرورة الالتزام بقرارات الحكم، وعدم الاعتراض عليها بأى شكل من الأشكال. موضحًا أن هذا الامتثال لقرارات الحكم من شأنه أن يخلق شخصية ممتثلة لأحكام القانون، وعدم خرقه أو الاعتراض عليه إلا بالطرق القانونية.

5. (التفكير الاستراتيجي)؛ ويكون بوضع خطة لعب يراعى فيها إمكانات الفريق (قوته، ضعفه) وكذا إمكانات الفريق الأخر (قوته، ضعفه)، والوقوف على الفرص المتاحة كاللعب على أرضه وبين جمهوره والتهديدات التي يمكن أن تؤثر على نتيجة اللقاء، كامتلاك المنافس لأفضل اللاعبين في الدوري أو امتلاكه لهداف البطولة، أو عنده لاعبين يلعبون في أندية مميزة.

فهذا نشاط لمجال واحد وهو الجانب الرياضي! لذلك نفهم المعنى العميق لمقولة تشرشل حينما سُئل بعد الحرب العالمية الثانية: متى كسبتم الحرب؟

قال: كسبناها في ملاعب الكرة؛ في إشارة إلى التربية على العمل الفريقي، والمثابرة وقوة العزيمة….

يروي الدكتور عبد الوهاب المسيري أن الأستاذ الحبروك-أستاذ التربية الرياضية في المدرسة الثانوية- كان يخبرنا بأن قيم المحبة أهم من قيم اللتعاقد، ولذا؛ حينما كانت إحدى فرق الأقاليم المجاورة في دمنهور تزورنا، وهي بطبيعة الحال أقل منا مهارة وخبرة كان الأستاذ الحبروك يطلب منا أن ندعهم يسجلون بعض الأهداف حتى لا يصابوا بالإحباط الكامل.

ومنذ أكثر من نصف قرن، بشّر المفكر النمساوي/الأمريكي إيفان إيلتش في كتابه “مجتمع بلا مدارس” بمستقبل يتحرر فيه التعليم من القوالب التقليدية.

واليوم، ومع صعود المنصات التعليمية، وظهور مجتمعات التعلّم، والتوجه نحو المهارات بدلًا من الشهادات، يبدو أننا نقترب من تحقق تلك النبوءة.
وقد جاء الذكاء الاصطناعي ليلعب دور المُسرِّع لهذه التحولات. لكن السؤال المطروح:

هل نُعلن فعلاً وفاة المدرسة التقليدية قريبًا؟
أم أن الأمر سيأخذ وقتًا أطول قبل أن نطوي هذه الصفحة من تاريخ التعليم؟