مقالات

تعلم متى تصمت.. بقلم عادل رستم

كتبتُ ذات يوم منشورًا أشرتُ فيه إلى أن الصمت أحيانًا يكون حفاظًا على المودة بيننا وبين الآخرين، لكنه في كثير من المواقف يظل معادلة من طرف واحد. فحين تختار أن تصمت كي لا تخسر ودًّا أو تكسر جدارًا هشًّا من العلاقات قد يظن الطرف الآخر أن صمتك ضعف أو أنه انتصار له في معركة لم تُعلن أصلًا.

ومن بين التعليقات التي توقفت عندها طويلًا كانت جملة عبقرية لصديقي الدكتور محمود صلاح قطامش، كتب يقول…

“تعلَّم متى تصمت.”
تأملت هذه العبارة فوجدت فيها عمقًا يتجاوز حدود الكلمات. فالصمت ليس مجرد انفعال سلبي، بل هو فنّ ومهارة يحتاج إلى وعي وتعلُّم ودراسة للوقت المناسب.

الصمت قوة أم ضعف؟
قد يُساء فهم الصمت. هناك من يراه ضعفًا، وهناك من يراه حكمة. لكن الحقيقة أن الصمت لا يُقاس بحد ذاته بل بوقته وسياقه. فالصمت في موقف يحتاج كلمة حق قد يكون جبنًا، والصمت أمام جدال عقيم قد يكون حكمة. وبين هذين النقيضين، تتشكل المعادلة الدقيقة التي علينا أن نتعلمها.

وربما من المهم أن نذكر بعض الأمثلة من الحياة ولعل لديكم غيرها كثير ….

في الخلافات الأسرية ربما يكون الصمت أحيانًا أقوى من الجدال لأن الكلمة في لحظة الغضب قد تهدم ما لا يصلحه الاعتذار.

في العمل قد يكون الصمت أمام زملاء لا يجيدون سوى الجدال العقيم هو توفير للطاقة وتركيز على ما هو أهم.

في العلاقات الإنسانية أحيانًا يكون الصمت احترامًا لمكانة الآخر أو حفاظًا على جسر واهٍ من الود لا نريد هدمه.

تعليق صديقي جعلني أعيد التفكير. فالصمت ليس سلوكًا عابرًا نمارسه غريزيًا، بل هو قرار واعٍ يحتاج إلى بصيرة. فكما نتعلم متى نتكلم، علينا أن نتعلم متى نصمت. ففي الصمت مساحات للتأمل، وحماية للذات، وتجنّب للانزلاق في مهاترات لا قيمة لها.

الصمت، يا صديقي ليس نهاية الكلام، بل هو وجه آخر له. هو مساحة للتفكير، ولإلتقاط الأنفاس ولإعادة ترتيب المواقف. ومن يتقن هذه المعادلة يدرك أن الحكمة ليست في أن تصمت دائمًا، ولا أن تتكلم دائمًا، بل أن تتعلم متى تصمت ..ومتى تتكلم.