
227 عامًا على تأسيس المجمع العلمي المصري.. ذاكرة علمية تصون حضارة أمة
بقلم /سهام عزالدين جبريل
شهدت القاهرة في يوم، 20 أغسطس 1798، وعلى وقع مدافع الحملة الفرنسية، شهدت مصر ميلاد واحد من أعرق الصروح العلمية في المنطقة العربية والإفريقية: المجمع العلمي المصري، الذي يحتفل اليوم بمرور 227 عامًا على تأسيسه، ليبقى شاهدًا على التقاء الحضارة المصرية العريقة بالمعرفة الحديثة.
لقد كانت ولادة في لحظة استثنائية
حيث جاء تأسيس المجمع بقرار من نابليون بونابرت، الذي لم يكتفِ بحملته العسكرية على مصر، بل اصطحب معه أكثر من 200 عالم وباحث فرنسي في فروع العلوم كافة؛ من الهندسة والرياضيات إلى التاريخ والآثار والطب. كان الهدف المعلن هو دراسة مصر في عمقها الحضاري والطبيعي، ليبدأ عهد جديد من التوثيق العلمي لحضارة وادي النيل.
*منبر للصحافة والمعرفة
ومن ثمار هذا الحدث الجليل أن نابليون جلب معه المطبعة الفرنسية، لتصبح مصر أول بلد في الشرق يشهد ولادة الصحافة المطبوعة المنظمة، من خلال جريدة الوقائع المصرية، التي لم تكن مجرد صحيفة، بل منبرًا للتنوير والوعي. لقد أسس المجمع بذلك نواة لنهضة فكرية، كان لها أثر عميق في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية لاحقًا.
*أهمية تاريخية وعلمية
لا يمكن قراءة تاريخ المجمع العلمي المصري بمعزل عن المشروع الحداثي لمصر الحديثة؛ فقد شكل نقطة انطلاق نحو:
-إحياء الوعي بالتراث المصري القديم وربطه بالبحث العلمي.
-إدخال مصر إلى عالم الطباعة والصحافة كأداة للتوثيق ونشر المعرفة.
-تأسيس مرجعية علمية جمعت بين علماء أوروبيين ومصريين، وفتحت الباب أمام جيل من المثقفين والباحثين.
-تعزيز فكرة الدولة الحديثة القائمة على مؤسسات علمية وثقافية متخصصة.
*المجمع.. ذاكرة تصون الأمة
وعلى الرغم من ما تعرض له من أزمات، منها الحريق المدمر الذي التهم أجزاء كبيرة من مكتبته عام 2011، ظل المجمع صامدًا بفضل ما يمثله من قيمة وطنية وتاريخية. فهو لا يحفظ فقط المخطوطات والوثائق النادرة، بل يمثل ذاكرة مصرية خالدة تجسد رحلة وطن قاوم ليحفظ علمه وهويته ويترجم قيمة حضارته العظيم الصامدة أمام كل المحن .
*هذا اليوم.. ماذا يعني لنا؟
بعد 227 عامًا، تبقى ذكرى تأسيس المجمع العلمي المصري دعوة للتأمل: كيف يمكن أن نستلهم من هذه اللحظة التاريخية قيم المجتمع وثقافته وهويته الوطنية والتى تتأقلم مع كل الظروف وتسعى للتطوير و إرادة التجديد، وتؤكد على دور العلم والثقافة وإعلاء القيم الثقافية التى تعالى قيم الوطن وتترجم هويته الوطنية كأقوى أسلحة الأمم؟
إنها رسالة بأن مصر، التي منحت العالم حضارة ضاربة في جذور التاريخ ، لا تزال قادرة على الجمع بين الهوية والحداثة، وبين الأصالة والمعرفة العلمية والحفاظ على القيم الوطنية العليا والموروث الثقافي لأمة تملك كافة مقومات القوى الشاملة وتصون حضارتها الضاربة فى جذور التاريخ .
خالص تحياتى
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
– زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا