مقالات

حط نفسك مكاني… بقلم عادل رستم

“حط نفسك مكاني” عبارة قد تبدو دارجة في الحديث اليومي لكنها في جوهرها تحمل دعوة فلسفية وإنسانية عميقة دعوة لفهم الآخر قبل إصدار الأحكام عليه. هذه الكلمات القليلة تختصر سؤالًا كبيرًا ظل يلازم الفكر الإنساني إلى أي مدى يمكننا أن ندرك حقيقة الآخر وظروفه؟

نحن نعيش في عالم مليء بالاختلافات.اختلافات في النشأة، والثقافة، والتعليم، وحتى في طريقة مواجهة الحياة. هذه الفوارق تصنع من كل إنسان عالمًا خاصًا به مليئًا بالتجارب التي لا يراها الآخرون. وعندما نقول “لو كنت مكاني” فإننا نفتح بابًا للتساؤل
هل كان سيختار غير ما اخترت؟ هل كان سيتصرف بطريقة مختلفة؟
الحقيقة أن الإجابة ليست سهلة بل ربما تكون مستحيلة لأن التجربة الإنسانية ليست مجرد أحداث بل هي مزيج من الشعور والخبرة والتاريخ الشخصي. من السهل أن نحكم ونحن في موقع المراقب لكن الحكم الحقيقي لا يمكن أن يكون عادلًا إلا إذا عشنا التجربة ذاتها بنفس الظروف بنفس المشاعر وبنفس القيود والخيارات. وهذا أمر لا يمكن تحقيقه.

هذه الفكرة تقودنا إلى مفهوم أعمق . التعاطف لا يعني أن نتبنى موقف الآخر بالكامل لكنه يعني أن نحاول أن نفهمه. أن ندرك أن وراء كل قرار قصة ووراء كل خطأ ضعف ووراء كل صمت ألم قد لا نراه. عندما نتبنى هذا الوعي نتوقف عن التسرع في إصدار الأحكام.ونمنح الآخرين مساحة ليكونوا ما هم عليه.
الاختلاف طبيعة بشرية، وربما هو ما يجعل الحياة أكثر ثراءً. نحن نتقاطع في بعض النقاط نعم لكننا نظل مختلفين في الكثير من المسارات. وهذا الاختلاف لا يجب أن يكون سببًا للرفض أو الإدانة بل فرصة للتعلم والتوسع في الفهم.

لذلك، قبل أن نحكم على الآخرين فلنطرح على أنفسنا هذا السؤال
هل كنت سأتصرف بشكل أفضل لو كنت مكانه؟ وهل كنت سأكون أكثر قوة أو حكمة؟

ربما لو كنا في نفس الظروف لاتخذنا نفس القرارا وربما ارتكبنا نفس الأخطاء.

في النهاية “حط نفسك مكاني” ليست مجرد عبارة عامية إنها فلسفة كاملة تقول افهم قبل أن تحكم وتواضع قبل أن تدين.