مقالات

“طاقة نور” لا تنس أن تعيش.. بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة

يقول الإمام عليّ -كرم الله وجههه-:
إِذا عاشَ الفَتى ستينَ عامًا*** فَنِصفُ العُمرِ تَمحَقُهُ اللَيالي
وَنِصفُ النِصفِ يَذهَبُ لَيسَ يَدري*** لِغَفلَتِهِ يَمينًا مِن شِمالِ
وَثُلثُ النِصفِ آمالٌ وَحِرصٌ*** وَشُغلٌ بِالمَكاسِبِ وَالعيالِ
وَباقي العُمرِ أَسقامٌ وَشَيبٌ*** وَهَمٌّ بِاِرتِحالٍ وَاِنتِقالِ
فَحُبُّ المَرءِ طولَ العُمرِ جَهلٌ*** وَقِسمَتَهُ عَلى هَذا المِثالِ
سريعٌ هو إيقاع العمر، رتيبةٌ فصوله، وموحشةٌ دروبه الطويلة.

ما أن نصحو حتى نجد أنفسنا طريحي الفراش من جديد، بعد يومٍ انفرطت ساعاته كأنها لحظات.

صباح اليوم صورة باهتة من صباح الأمس، ومساؤه نسخة مكرورة من البارحة وما قبلها. أيام الأسبوع تتشابه: السبت مثل الأحد، والاثنين مثل الثلاثاء والأربعاء والخميس، حتى إذا جاءت الجمعة كانت جرسًا يذكّرنا أن أسبوعًا آخر قد انسلّ من عمرنا، وجمعة اليوم لا تختلف كثيرًا عن جمعة الأمس، ولن تختلف عمّا سيأتي بعدها!

نعيش بين طرقٍ متعرجة، نصعد ونهبط، نسلك دروبًا وعرة لا تخلو من الوحشة. ومع هذا الإيقاع الصلب تنسينا الحياةُ معنى العيش؛ فنغدو آلات بلا روح، ننام مثقلين بالهموم، ونستيقظ لأعمالٍ لا تنتهي إلا بانتهاء أعمارنا.

كل جميلٍ مؤجل: جلسة الأهل، فسحة قصيرة، نزهة بلا موعد، زيارة صديقٍ قديم… حتى أبسط الأشياء نرحّلها لوقتٍ لا يأتي.
في زحمة الحياة لا تنس أن تعيش؛
دلّل نفسك بالقليل: افتح نافذتك وانظر ولو لغير غاية، امنح صوتك لمن يشتاق سماعه، غنِّ ولو بدا صوتك نشازًا، التقِ بمن يلوّنون وقتك بالبهجة، لاعب أبناءك وأحفادك، وتأنّق كلما سنحت لك فرصة.

في حياتك أوقات كثيرة تستحق أن تُعاش، ولحظات السعادة لا تُدّخر، فقطار العمر سريع؛ فلا تنس أن تعيش.