
مقابر بكورنيش الاسكندرية
دكتور / السيد مرسى
مرة أخرى، تسقط الإسكندرية ضحية على رصيفها الأزرق، لا بسبب أمواج البحر ولا هياج النوات، بل تحت إطارات عربات محملة بالبشر كأنها صناديق سردين تسير على عجل، وأخرى يقودها متهورون يتعاملون مع الكورنيش كأنه مضمار “فورمولا وان”. بهذا الحادث المأساوي الذي وقع في 10أغسطس 2025 على طريق الكورنيش في منطقة الشاطبي بحي وسط بالإسكندرية: ووفاة رجل وسيدة وسبعة مصابين تتراوح إصاباتهم بين كسور واشتباكات ونزيف، من بينهم أطفال ومراهقين (أعمارهم بين 12 و42 سنة وفى اليوم السابق كانت وفاة فتاة في ذات المكان ، وكأن مأساة الكورنيش الإسكندراني تفتتح لنا صفحة جديدة من دروس “السرعة الجنونية والتكديس البشرية” على شاطئ البحر. فبعدما ظن ساكنو الإسكندرية أن العبور الآمن مجرد كلام في تقارير المحافظة… جاء الضحايا ليفتحوا أعيننا على هشاشة الواقع. المشهد يتكرر: دماء على الأسفلت، صراخ في الشاطبي، إسعاف متأخر، وبيان رسمي بارد: “ارتفع عدد الضحايا”. أما الحلول؟ مؤتمرات، لجان، اجتماعات، وصور للمسؤولين بابتسامات عريضة. الإسكندرية ولم تعد عروس البحر، بل أرملة البحر، فقدت أبناءها على الأسفلت أكثر مما فقدتهم في الغرق، فالمشهد يزداد وضوحًا: سيارات ميكروباص تنقل المسافرين والأحلام… وبعضهم يهزمها اختلال عجلة القيادة. النتيجة: هل ترى العدد؟ إصابات وموت لفظي بلا رحمة. موتى ومصابون، ومع ذلك كم من مرة سألت نفسك: “لماذا لا نستخدم أنفاق المشاة؟” هذه ليست وسائل نقل، هذه توابيت جماعية تسير على عجلات. السائقون يتبارون في عدد الأرواح التي يستطيعون حشرها داخل السيارة، كأنهم في مسابقة “من يملأ الصفيحة أكثر”. أما الركاب، لا حول لهم ولا قوة، الكل يريد ان يصل الى مبتغاه … والكل ينتظر نهايته في صمت، كما لو كانت تذكرة السفر تشمل “ذهاب بلا عودة”.
ورغم ان الكاميرات المزروعة وعددها 19 إشارة، بمعدل 480 مترًا بين كل إشارة، بالإضافة إلى 13 نفقًا للمشاة، بينها نفق يبعد فقط 94 مترًا عن موقع الحادث والسيارات تطير كالصواريخ، والسائقين قرروا اعتماد نظام “اضرب واجرِ”. وإذا سألت أحدهم قال لك: “الكاميرات مش شغالة، يا باشا”.
أخيرا …. يا قلبي لا تحزن… فقد صار الحزن هو القانون السائد. أما بقية القوانين، فهي مجرد شعارات معلقة على جدران المحاكم، والإسكندرية، يا عروس البحر، هل تستحقين أن تراق دماء أكثر من ذلك على رصيفك… الإجابة نعم للأسف، ما زالت تنتظر العريس الذي ينقذها من المذبحة اليومية.
والى اللقاء: دكتور / السيد مرسى