
تمخّض الجبل فولد..
دكتور / السيد مرسى
تحوّلت غزة إلى خرابة تئنّ تحت ركامها، و صار الأطفال ينامون على بطون خاوية كأرض بلا مطر، و لم تهتزّ الأرض تحت أقدام “المليارين” من المسلمين، ولم ينكسر زجاج قاعات الأمم المتحدة من صراخ الضمير الإنساني، ولم يختنق النفط العربي المتدفق في أنابيب الصهاينة، ومرّت المجازر كما تمرّ أخبار الطقس: “غدًا صيف حار، واليوم إبادة جماعية”.، ثم هذه الشهورٍ من الذبح والتهجير والتطهير العرقي، أفاق السلطان العثماني الجديد على فكرة “ثورية”: قطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، ومنع مرور سفنها بالمياه الإقليمية !يا للمعجزة ! كأنما أطلق صاروخًا باليستي، يا للإنجاز! كأنما هدم أسوار تل أبيب، لكن الحقيقة – والحقائق دومًا أكثر سخرية من النكات – أن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش على الدعم الأمريكي والأوروبي، لا على البضائع التي تعبر البوسفور. وأن الغاز الإسرائيلي ما زال يرقص في الأنابيب التركية كراقصة في ليلة عرس. وأن القواعد العسكرية في إنجرليك، التي تحمل الطائرات الأمريكية المزوّدة لإسرائيل، ما زالت هناك لم تمسّها يد “الغضب المقدس”.، نعم، تمخّض الجبل فولد فأرًا، لكن حتى هذا الفأر أخرجوه في مؤتمر صحفي باهت، وكأن الدم الذي جف على أرصفة غزة سوف سيعود في عروق! ، تركيا ليست وحدها في هذا المسرح العبثي. فمعها السياسة العربية والإسلامية كلها تشترك في البطولة، فهناك دول عربية واسلامية تكتفي بالشجب كما يكتفي العاجز بالأنين، ودول أخرى وأخرى تفتح موانئها للطائرات الأمريكية وهي تذبح فلسطين، ثم تقسم بأغلظ الأيمان أن قلبها مع غزة، وجموع المسلمين يتفرجون عبر الشاشات يتألمون ويصرخون في الحجرات المغلقة ،أو يكتبون التغريدات كأنها صواريخ، ويرسلون الدعوات كأنها جيوش، ويكتفون بالدموع بدل البنادق، أيّ زمن هذا؟ زمنٌ يُذبح فيه شعب كامل أمام أعين البشرية، و الجلاد يمنح شرف تأييد الامريكان والغرب، بينما يُمنع المقهور من مجرد التنفس،
يا سادة، كنا ننتظر زلزالاً سياسياً، فإذا بنا أمام فرقعة صوتية لا تخيف سمكة سردين، بل الفار يسبح بين الموانئ وكأنه يسخر من كل شعارات “النصرة والدعم” التي لم تتجاوز بيانات مؤتمرات القمم، ، وعند الفعل يكتفي يغلق نافذة صغيرة في بيت مهجور، ألم يكن الأجدر أن يقطع الغاز والكهرباء؟ ويغلق السماء في وجه الطائرات التي تقتل الأطفال؟ ويجمّد الاتفاقيات العسكرية التي ترفد جيش الاحتلال بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار؟ لكن لا، كل ذلك “خطوط حمراء”، أما البحر، فليُغلق على الورق لعل الشعوب تصفق وتظن أن الفاتح الجديد قادم وفي النهاية، تبقى غزة وحدها، عارية كالحقيقة، محاصرة كالكلمة الحرة، صامدة كالأبد، أما الجبال التي تتمخّض لتلد الفئران، فلها في كتب التاريخ فصل خاص باسم (السخرية السوداء من عجز الأمم(
. الى اللقاء: دكتور / السيد مرسى