
المولد.. حلاوة ولا غلاوة؟
دكتور / السيد مرسى
كل سنة ييجي المولد النبوي، وتلاقي البلد كلها عاملة زي طفل واقف قدام محل حلوى.. عينه بتلمع، وجيبه فاض، زمان كنا بنشتري حصان وحلاوة.. دلوقتي الحصان والحلاوة زادوا غلاوة، والجيب فضل على حاله، المولد كان زمان الناس تقول: “صلوا على النبي”، دلوقتي يقولوا “هاتوا حلاوة النبي”، وبين الاثنين ضاعت البركة، والغريب إننا نختلف على كل حاجة، مثلا نختلف على رؤية الهلال، ونختلف على حكم المولد، ونختلف على الحصان والحلاوة نفسها دي “مغشوشة” ولا “أصلية”؟ لكننا ما نختلفش على الأسعار، لأن كلها بتجري زينا في سباق 100 متر حواجز، المولد في مصر تحول من سيرة إلى تجارة.. من حضرة النبى إلى “حضرة الفاتورة”، وإحنا بنضحك وبنلعن الغلا، وعرفين كويس اللي اتولد في يوم زي ده علمنا الرحمة، وقال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. باختصار.. لو الحلاوة غِليت، خلّي قلبك أحلى.
تعالوا نروح منطقة شعبية وحتلاقى في شارع ضيّق قديم، اجتمع الناس يحتفلون بالمولد النبوي الشريف.. الزينة معلقة من سلك كهربا مسروق، وتوزيع شربات وعروسة السكر واقفة زي تمثال الحرية، وأطفال بيلعبوا مع بعض، والآباء بيلعبوا في الأسعار، و”العم متولي” وقف قدام محل الحلوى وقال: يا ولاد، المولد ده ذكرى للنبي.. مش ذكرى لزيادة سعر الحمصية، رد عليه البائع وهو بيغلف عروسة: يا حاج، كل سنة والفرخة بألف خير! وفي زاوية تانية، شاب ماسك موبايله وبيصوّر الزحمة، علشان يحطها على الفيسبوك ويعمل منها ترند ، واحد كبير في السن بصله وقال: زمان كنا بنشيل المولد في قلوبنا.. دلوقتي شايلينه على الفيسبوك، وفجأة دخل “الشيخ فهمى” على الخط، خطب في الناس: يا جماعة، الاحتفال بدعة… إلا لو اشترتوا مني العسلية، ضحكوا الناس.. واحد قال: كل حاجة عندنا بقت بدعة.. إلا الفقر! وفى سط الضحك والجدال، كان فيه طفل صغير بيأكل أول قطعة حلوى في حياته، عينيه بتلمع، ولا فاهم غلاء ولا بدعة.. بس حاسس بالفرحة، والناس كلها حوليه هايصه… ويمكن يكونوا افتكروا إن المولد مش في العروسة ولا الحمصية، المولد في معنى الرحمة، وصاح أحدهم يا عم خلينا نعيش ونفرح، يمكن الأسعار تنزل مع المولد الجاي.
في النهاية، المولد النبوي ليس بحاجة إلى زينة كهربائية تضيء حتى تنطفئ، ولا إلى عرائس سكر تنكسر بعد ساعة، ولا إلى بيانات صحفية تُتلى في قاعات مكيفة، هو بحاجة إلى شيء واحد بسيط: أن نتذكر أن النبي لم يحتفل بمولده يوماً، بل صنع أمة من لا شيء… ونحن نحاول كل عام أن نصنع “مولد ” من لا شيء.
الى اللقاء: دكتور / السيد مرسى