
من يستحق نوبل.. بقلم / سوسن حجاب
مسكين من يطبخ الفأس ويريد مرقًا من حديده، مثلٌ مصريّ من أمثالنا الشعبية العبقرية التي هي خلاصة خبرات ومعارف وتجارب وممارسات يومية. وهو يعني أننا لا يجب أن ننتظر من بعض الناس الخير الذي نتوقعه.
أتذكر هذا المثل كلما زادت الأحداث الدامية في غزة واستَعرت نيرانها التي تلتهم يوميًا أكثر من مائة شهيد من الأطفال والنساء والرجال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون منكوبون في وطنهم الذي أُعطيَ من لا يملك لمن لا يستحق، في شكلٍ سافرٍ من أشكال سرقة الأوطان.
والفأس الذي كنا ننتظر مرقًا من حديده هو ترامب، رئيس أقوى دولة في العالم قديمه وحديثه، والذي يُصرّح من حينٍ لآخر أنه يبذل أقصى جهده لوقف الحرب في غزة! ثم يُظهر الفيتو في مجلس الأمن بما يناقض هذا الكلام ويفضحه. ولكنه ما زال يبذل مجهودًا كبيرًا – على حد قوله – في سبيل إيقاف الحرب وإطلاق الرهائن! يا سلام! وهو أيضًا الذي يطمع في الحصول على جائزة نوبل، والذي يستقبل السفاح نتنياهو استقبال الرؤساء، ولِمَ لا وهو قد رشحه للجنة المسئولة عن منح جوائز نوبل! عبثٌ في عبث.
من الغريب أن ترامب ينتقد ويلوم بوتين ويصفه بالمراوغ: يقول كلامًا لطيفًا ثم يقصف في عمق الليل. طيب! وماذا تفعل أنت وفتاك المدلل نتنياهو؟ تقول كلامًا لطيفًا ثم يضرب هو الأبرياء ويجوعهم آناء الليل وأطراف النهار وليس فقط في عمق الليل، وأنت تغض الطرف – عفوًا أقصد تطلق كلامًا لطيفًا وتصريحات ألطف:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
ثم يرسل مبعوثًا للتفاوض فيصرح هو الآخر أن أمريكا لا تستطيع أن تفرض شيئًا على إسرائيل أبدًا! وأن لها الحرية في أن تفعل ما تراه بشأن غزة! ويتركها تضرب كالثور الهائج في كل مكان: في لبنان وسوريا واليمن وقبلها في إيران وأحدثها في قطر، وتمدها بأشرس أنواع الأسلحة وأكثرها فتكًا وتدميرًا.
يا رئيس أقوى دولة في العالم الآن: لقد استبشرنا خيرًا عندما زرت الخليج وأخذت المليارات – أقصد الترليونات! – ولكن فوجئنا بأنك أخذت الفلوس وجريت! ماذا ننتظر من الفأس؟ مهما طبخناه فلن يتحول ماؤه إلى مرق أبدًا. كل شيء واضح وجلي، لكن برقع الحياء سقط عن كل الوجوه في تلك الدول (الكبرى) التي تقف متفرجة إلا من تصريحات بين الحين والآخر ذرًّا للرماد في العيون إلى أن ينتهي الجزار من الإجهاز على ذبيحته.
ولكن يظهر في نهاية نفق الظلم المعتم بعض بقع الضوء التي سرعان ما ستزيد مع الوقت؛ أقصد المقررة الأممية الشجاعة الإيطالية فرانشيسكا ألبانيزي، والتي فرضت عليها أمريكا عقوبات لأنها قالت الحقيقة، والتي أعتقد أنها الأحق بجائزة نوبل للسلام. كما صدر أخيرًا أيضًا تقرير من الأمم المتحدة بأن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، ثم انضمت دولة أخرى هي البرازيل في دعوى الإبادة الجماعية، وتتوالى الاعترافات من معظم دول العالم بالدولة الفلسطينية، ويزداد هذا الكيان السرطاني عزلة ورفضًا من كل المنصفين.
وقد تأتي العطايا على ظهور البلايا كما قالوا قديمًا:
فلما استحكمت حلقاتها فُرجت
وكنت أظنها لا تُفرج