تقارير

تراث يتلاشى في العصر الرقمي.. الألعاب الشعبية ذاكرة الأجداد

تحقيق / عادل رستم

في أزقة سيناء القديمة وزوايا البيوت الشعبية حيث تختلط ضحكات الأطفال بعبق الأرض ونسيم الطفولة وُلدت ألعاب بسيطة صنعتها أيدي الصغار من مفردات البيئة فكانت أكثر من مجرد لهو عابر. تلك الألعاب الشعبية لم تكن ترفًا أو إنفاقًا بل مدرسة للحياة تعلم الأطفال التعاون وروح المنافسة الشريفة وتغرس فيهم الانتماء والابتكار.

اليوم، ومع زحف الهواتف الذكية وألعاب الشاشات أصبح هذا التراث البسيط والثري مهددًا بالاندثار. ورغم بساطتها وتواضع أدواتها بقيت الألعاب الشعبية في سيناء شاهدًا على روح الابتكار والفرح التي حملتها طفولتنا. ومن هنا يصبح من واجبنا جميعًا أن نعيد لها الحياة أن نُعرّف بها أبناءنا ونوثقها في مدارسنا ومراكزنا الثقافية ليظل حاضرًا في ذاكرتنا الجماعية كجسر يصل الماضي بالحاضر. فالحفاظ على هذه الألعاب ليس مجرد استعادة لمشهد طفولي قديم بل هو حماية لهوية كاملة وثقافة شعبية غنية تستحق البقاء.
ليالي العضيم تحت النخيل
يروي الصديق سعيد أمين قائلاً
في ليالي الصيف التي يغيب فيها القمر وتحت النخل في موسم الرطب كان أطفال العريش يعيشون أجمل لحظات الطفولة. لعبة “عضيم” الليلية كانت سيدة الألعاب نتعرق ونضحك ونجلس بجانب البئر نحلى بالرطب ولننام ونصحو مع طلوع الشمس وهي تخبط في عيوننا والغنم تمرح أمامنا.


كانت ألعابنا حركة وإبداعًا وتعاونًا نشكل الصلصال ونلعب على رمال البطنان “الطيرة” و”الميس” نبتكر سيارات من الأسلاك وطيارات ورق نشق بها الهواء ونركض خلفها حتى الغروب. كرة القدم الشراب تطورت إلى “الكَفر” و”سبع شقفات”، وسباقات الركض والدراجات “من عمك العبد ورزق كانت تضيف روح التحدي. حتى أغاني اللعب كانت مختلفة: “طاح طاح سيف أبوي بالمراح” و“يا عمي يا جمال سرقولك جمالك” و“طاق طاق طاقية” كلها أغنيات تبث الحماس والحركة في عروق الأطفال.

ولم تكن الألعاب وحدها ما يملأ طفولتنا؛ كنا نخرج لجمع الأعشاب في الربيع نساعد أمهاتنا في الخبز على الصاج وجمع الحطب نجلب البيض من “خم الفرخة” نلعب مع السخلة والجديان نتسلق الأشجار ونقطف المشمش والتين والرمان البلدي ونعيش طفولة مليئة بالتجارب الطبيعية.


شهادات تؤكد قيمة التراث
تؤكد الدكتورة سهام جبريل – في حديثها عن الألعاب الشعبية – على أن بساطتها لم تمنعها من أن تكون مصدرًا للحركة والإبداع والابتكار واستثمارًا لإمكانات البيئة المحلية.

«رغم بساطة الألعاب لكن كان فيها حركة وإبداع وابتكار واستثمار لإمكانات البيئة المحلية. وكل موسم من المواسم التي كانت تتميز بها بلادنا له ألعابه فصل الشتاء له ألعاب، والصيف كذلك والربيع والخريف أيضًا. هناك ألعاب موسم الحصيدة موسم النخل وجني البلح وصناعة العجوة موسم السمان وموسم الزيتون وكانت فرص اللعب والإبداع تتناسب معها. ألعاب تستخدم منتجات النخيل والزيتون وألعابنا في الخلاء غير ألعابنا في المناصب ومساعدة الأهل في جمع الحطب أو في البحر وبين الكياب وصحبة الصحاب والجيران. كذلك ألعاب رمضان والألعاب تحت المطر ونحن ذاهبون إلى مدارسنا. متعة الألعاب كانت تنبع من العفوية والإبداع والصحبة الجميلة.

حتى اللعب كان فيه إنتاج وإبداع واستثمار للوقت والجهد ألعاب زمان ملف كبير كله حياة وحركة وحب ونشاط».


ويضيف الأستاذ شعبان قنديل الفضالي (كابتن تيتو) – عاشق التراث والإرث السيناوي – قائلاً:
«كما تسعدنا بما تنشر من ذكريات الطفولة والشباب. ألعاب ولا أروع ألعاب جميلة كانت تعطينا النشاط والحيوية وترفع من لياقتنا البدنية والذهنية… أيام ولا أروع وألعاب ولا أجمل».
الشعر يحكي الحكاية
ولأن الحنين للألعاب القديمة ليس مجرد كلام بل وجدان
عبّر الشاعر محمد عابد عن هذه الذكريات في قصيدته الجميلة ألعابنا الحلوة زمان
كتيرة ونسعد بيها
فاكرين صلّح والبلي
عضيم كنّا ب نرميها
النحلة لعبة جميلة
ب نلف الحبل حواليها
السيجة عايزة تركيز
مين يقدر يعديها
وعضيم فك الشاة
تترمي ومين يلاقيها
السبع شقفات نرصهم
الشاطر ب الكورة يدّيها
عسكر وحرامية لعبة
فريقين ما أحلى لياليها
ب الفخ نصطاد عصافير
والدودة ف الكرزم نخليها
الطيرة والميس ياصاحبي
نلف الحواري نجريها
سقا الله على ها الأيام
نعيش ونفتكر فيها


هذه الأبيات تحيي الذاكرة وتستدعي صور الطفولة بكل تفاصيلها من الحبل والعضيم حتى الطيرة والميس.

جيل اليوم قد يرى هذه الألعاب مجرد “عظام قديمة” بينما جيل الأمس يراها ذكريات عظيمة صنعت شخصياته. ألعابنا كانت إبداعًا وحركة وإنتاجًا واستثمارًا لمنتجات محلية بسيطة.

فهل نعيد لهذه الألعاب مجدها وهل يجرؤ أطفال اليوم على تجربة تلك الألعاب بدلاً من الجلوس أمام الشاشات.