
“طاقة نور” حتى أنت يا أينشتاين! بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة
أرسل إليّ أحد الأصدقاء –على سبيل الطرافة– مقطع فيديو لوكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الدقهلية، يزور إحدى المدارس الابتدائية بصحبة عدد من المرافقين. اقترب المسؤول الكبير من التلاميذ وسألهم:
– كل واحد فيكم يقول عايز يطلع إيه لما يكبر؟
فإذا بطفل، يحمل كل معاني البراءة، يجيب بحماس:
– نفسي أبقى سواق ميكروباص!
فإذ بالصف تتطاير منه الحمائم، جرّاء أصداء الضحكات العفوية.
وبالحوار بيني وبين صديقي -مرسل الفيديو- قال لي معلقًا: إن هذا التلميذ قرأ سوق العمل بشكل جيد.
ظللت أتخيل هذا الطفل بعد مرور السنين، وقد بلغ الثلاثين. صار “بكري” –هكذا أسميته– مالكًا لميكروباص اشتراه بعرق الجبين والباط والظهر.
وذات يوم، جلس بجواره في المقعد الأمامي زميل الدراسة القديم: المهندس مجدي. ساقهما الحديث إلى الذكريات. حدّث بكري صديقه قائلًا:
– أنا اكتفيت بالدبلوم الصناعي، وأديت الخدمة العسكرية، وبعدها اشتريت توكتوك، ثم ميكروباص. اتجوزت وخلفت: عبير، وفاطمة، وسليم. نفسي أشوف سليم مهندس كبير.
ارتجف مجدي في جلسته قليلًا، ثم تمتم بدعوات لبكري وأسرته. وحين سأله بكري عن حاله، أجاب متحسرًا:
وبسؤال بكير عن أحوال مجدي؛ فإذ به يلعن الأيام السود التي ساقته لكلية الهندسة، فلو عاد به الزمان للوراء لعمل جاهدًا على تحقيق حلمه بأن يكون صاحب مقهى سياحي على شاطئ البحر، فيظل طوال حياته ينعم بهذا البحر الخلاب، ويكتب شعره المحبب إلى نفسه.
وبسؤاله عن أسرته وأولاده؛ استبان له أن مر بتجربتين فشلتا عند الخطوبة!
وبينما الزميلان منهمكان في الحكي، إذ بصوت أحد الركاب يشق السيارة من أخرها لأولها: يا اسطا، يا اسطا، وطّي الزفت الكاست ده خليك تسمع الركاب، بقالي دقيقتين أنادي: على جنب، على جنب.
ضغط بكري على الفرامل بقوة، فاندفع الركاب من الخلف فوق من في الأمام. التفت بحدة وقال بصوت أجش، كأنه صياد هرم أفسدت السجائر حنجرته:
– اتفضل انزل يا زبون!
ثم ابتسم لصديقه وقال:
– المعذرة يا هندسة.
كان مجدي قد وصل إلى وجهته، فأخرج الأجرة من جيبه، لكن بكري عاجله بنظرة حاسمة وصوت قاطع:
– عيب يا صاحبي!
المفارقة أن الشيء نفسه راود أينشتاين! ففي أخريات حياته قال لصحفي بريطاني:
– لو عاد بي الزمن شابًا من جديد، لما اخترت أن أكون عالمًا أو مدرسًا. أفضل أن أكون سبّاكًا أو بائعًا متجولًا، عسى أن أجد في هذه المهن قدرًا من الاستقلالية.
وبعد تصريحه المدهش، سارعت نقابة السباكين إلى منحه عضوية شرفية!