
أصوات أمريكا اللاتينية في الأمم المتحدة: غزة تستحضر الذاكرة التحررية
بقلم / سهام عزالدين جبريل
للد اضحت غزة نموذج حي لشعوب تستحضر الذاكرة التاريخية وذكريات الحركات التحررية لشعوب امريكا اللاتينية
هذا ما لفت نظري خلال هذه الايام خلال متابعتي اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة ؛ لم يكن فقط حدة النقاشات فحسب ، بل قوة المواقف التي عبّر عنها بعض زعماء أمريكا اللاتينية تجاه غزة. كلمات مثل “إبادة جماعية” و”اختفاء شعب” “حق الإنسانية ” اصوات تأتِي من امريكا اللاتينية ترجمتها كلمات رؤساء تلك الدول مثل لولا دا سيلفا (البرازيل)، غوستافو بيترو (كولومبيا)، وغابرييل بوريتش (تشيلي). هذا الخطاب المختلف استوقفني، وأثار تساؤلًا أعمق: لماذا يتحدث هؤلاء الزعماء بهذه الصراحة عن فلسطين؟ وهم دول الجوار الجغرافي والاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية
وما الذي يجعل غزة جزءًا من وجدانهم السياسي؟
هذا التصرف الشبه جماعي لزعماء هذه الدول جعلني مهتمة بالبحث ومعرفة الاسباب التي بلورة خطابهم السياسي تجاه غزة والقضية الفلسطينية وهذا يعنى إن هناك امر هام مشترك يرجع إلي إن هناك تفسير تاريخي وايدلوجي يفسر مواقفهم التي يمكن قراءتها من خلال الآتي:
*ذاكرة استعمارية مشتركة
أمريكا اللاتينية عرفت جيدًا معنى فقدان السيادة. على مدى قرون، خضعت للاستعمار الأوروبي، ثم للتدخلات الأمريكية. هذا الإرث ترك بصمة عميقة في الوعي الجمعي لشعوبها، ورسّخ خطابًا يرى أن النضال ضد الاحتلال أو التبعية ليس شأنًا محليًا فقط، بل قضية إنسانية مشتركة.
ومن هنا، تبدو فلسطين امتدادًا طبيعيًا لرحلة التحرر في الوعي اللاتيني.
*في من جيفارا إلى لولا: إرث أممي حي:
فلاشك ان الثورات التي قادها جيفارا وكاسترو وأليندي وتوريخوس لم تُختزل في حدود أوطانهم. هؤلاء رأوا في الجزائر، فيتنام، وفلسطين جبهات متصلة لحرب واحدة ضد الإمبريالية.
فاليوم، يستدعي لولا وبيترو وبوريتش نفس اللغة، وإن بوسائل دبلوماسية. عندما يصف لولا الوضع في غزة بأنه “إبادة جماعية”، فهو لا ينطق من فراغ، بل من مدرسة فكرية تعتبر أن العدالة للشعوب جزء من هوية اليسار اللاتيني.
عندما تعالت أصوات قادة امريكا اللاتينية في الأمم المتحدة حيث شاهدنا كل من:
لولا دا سيلفا (البرازيل): أكد أن الشعب الفلسطيني “مهدد بالاختفاء إذا لم يُمنح دولة مستقلة”، متهمًا النظام الدولي بالعجز أمام الإبادة.
غوستافو بيترو (كولومبيا): دعا إلى تدخل دولي فوري، معتبرًا أن الكلمات وحدها لا تكفي. استدعى في خطابه إرث سيمون بوليفار، محرر أمريكا الجنوبية، ليجعل من فلسطين جزءًا من معركة عالمية للحرية.
غابرييل بوريتش (تشيلي): شدد على وقف إطلاق النار والاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتمدًا على خلفية بلاده التي تحتضن أكبر جالية فلسطينية خارج الشرق الأوسط.
كما أن دولًا مثل بوليفيا وفنزويلا تبنّت خطابًا مشابهًا في قمم إقليمية، متهمة إسرائيل بارتكاب “مجزرة جماعية” بحق المدنيين.
*أبعاد الموقف: أيديولوجيا واستراتيجية
1. أيديولوجيًا: الخطاب اليساري-التحرري يرى أن فلسطين جزء من معركة أممية ضد الاستعمار.
2. استراتيجيًا: إظهار استقلالية القرار اللاتيني في مواجهة الضغوط الأمريكية، وبناء تحالفات مع الجنوب العالمي.
3. تاريخيًا: صدى الاستعمار الأوروبي والهيمنة الأمريكية يجعل الزعماء يشعرون أن غزة تعكس قصتهم الخاصة في مرآة بعيدة.
*تداعيات محتملة
هذا الخطاب قد يعزز عزلة إسرائيل في المحافل الدولية، ويعيد الزخم إلى “الجنوب العالمي” ككتلة ضغط في الأمم المتحدة. كما يضع بعض الحكومات العربية في موقف محرج، إذ تبدو أصوات أمريكا الجنوبية أحيانًا أشد وضوحًا في نصرة فلسطين ويدعم مساعي الدول العربية الشريكة لدعم القضية والوصول الي حلول عادلة تحقق مساعي السلام وتعيد الحقوق المسلوبة لشعب مازال يدافع عن ارضه وهويته.
مما لاشك فيه إن غزة بالنسبة إلى زعماء أمريكا اللاتينية ليست قضية خارجية، بل امتداد لرحلة طويلة ضد الاستعمار والتبعية. ومازال صوت جيفارا وأليندي وتوريخوس ما زال يتردد اليوم في كلمات لولا وبيترو وبوريتش.
إنها شهادة على أن الذاكرة التاريخية قادرة على تحويل التضامن إلى موقف سياسي جريئ يضع الحق قبل الحسابات وقد يصنع بقعة ضوء تنير الطريق وتعيد الحقوق الي اصحابها.
خالص تحياتي
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا