
ملاعيب شيحا والصفقات الكبرى.. من ترامب إلى قادة اليوم
مقال للإعلامي/ عادل رستم
في التاريخ المملوكي برزت شخصية غامضة عُرفت باسم جمال الدين شيحة ارتبط اسمه بالدهاء والمكر حتى صار مضرب الأمثال في الحيلة والخداع. فقد كان أحد المقرّبين من السلطان الظاهر بيبرس عُرف بقدرته على التنكر وتغيير مواقفه وفق ما يخدم مصلحته ومع مرور الزمن تحوّل ذكره من واقعة تاريخية إلى رمز شعبي يُستحضر للدلالة على المناورات والصفقات الخفية. ومن هنا جاءت عبارة “ملاعيب شيحة” التي صارت جزءًا من الموروث الثقافي العربي، تُطلق على كل من يتقن فنون الكسب عبر الخداع أو تحويل الخسارة إلى فوز بالدهاء لا بالقوة.
ومنذ القدم عُرفت الشعوب بأساليبها في اللعب السياسي والاجتماعي وكانت هناك ألعابٌ تختبر الذكاء والمناورة مثل ألعاب “شيحا” الشعبية. هذه الألعاب لم تكن مجرد تسلية بل مرآة لعقلية إدارة الصراع والبحث عن مكسبٍ سريع بأقل الخسائر.
اليوم لا يختلف المشهد كثيرًا على مستوى القادة والسياسيين عالميًا فقد أصبحت الصفقات هي العنوان الأبرز لإدارة الملفات الكبرى سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى العلاقات الدولية.
فالرؤساء والقادة لا يفضلون الدخول في مواجهات مفتوحة أو معارك طويلة المدى بقدر ما يبحثون عن الصفقة الرابحة التي تضمن لهم مكاسب سريعة تمامًا كما يحدث على رقعة ألعاب شيحا.
أبرز مثال على ذلك هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حول السياسة إلى “بازار” صفقات يلوح بالعقوبات ثم يفتح باب التفاوض يضغط على الخصوم ثم يطرح اتفاقًا مربحًا ويجعل من لغة المال والمصالح المباشرة أداةً لتحقيق أهدافه. ترامب لم يكن استثناءً بل نموذجًا صارخًا لما يحدث في العالم القوة ليست في السلاح فقط بل في القدرة على إبرام صفقات تضمن النفوذ والمكاسب بأقل تكلفة.
لكن الخطورة تكمن في أن هذه “اللعبة” لم تعد مقتصرة على قادة بعينهم بل تحولت إلى نهجٍ عالمي. فالقوى الكبرى تفضل التفاوض السريع والاتفاقات الجزئية بدلًا من الحلول العميقة ما يجعل الشعوب في حالة انتظار دائم لنتائج هذه الصفقات التي قد تعود بالنفع أحيانًا وقد تترك آثارًا جانبية قاسية في أحيان أخرى.
إن ما يحدث اليوم يثبت أن العالم كله أصبح ساحة لألعاب “شيحا” كبرى لكن اللاعبين هذه المرة هم قادة دول والمكاسب ليست مجرد حجارة على رقعة بل مصائر شعوب واقتصادات أمم.