
“طاقة نور” الامتنان من الإيمان.. بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة
قال الشافعي -رحمه الله- قرأت كتاب “الموطأ” على مالك -رحمه الله- فكنتُ أقلّب صفحاته بكل هدوء مخافة أن أُوذي سمع مالك.
وقد ورد عن الشافعي أيضًا قوله: ” كنتُ إذا صليتُ جعلتُ أدعو لمالك وأدعو لوالدتي، وأظن أني أُبارك بذلك”.
فهكذا كان أدب العلماء مع شيوخهم، يقدّرون مكانتهم حق التقدير؛ إذ للأستاذ عند تلميذه منزلة لا يضارعها إلا منزلة الوالد، بل قد تسمو عليها، لأنه يأخذ بيده إلى الخير ويهديه إلى العلم.
أقول هذا في زمنٍ شاع فيه الجحود، حتى رأينا من بعض طلاب العلم من إذا انقطعت المصلحة بينه وبين أستاذه، ولم يعد يرجو منه نفعًا، قابله بمثل ما يُقابل الندّ للندّ. وآخرون يثقل على ألسنتهم أن يقولوا لأستاذهم”: أستاذنا”! وكأن في ذلك انتقاصًا من قدرهم!
وما دروا، أو دروا لكنهم لم يفقهوا، أو فقهوا لكنهم أنفوا، أو أنفوا لأنهم جهّال، فلم يتأدبوا بأدب العلم؛ بأن التلميذ النجيب في زمان قد مضى، كان يصل الليل بالنهار، ويقطع القفار، ويزاحم التلاميذ بركبتيه في حلقة الشيخ، ربما للقاء واحد يتيم، لكي يضع في سيرته أن هذا من أساتذته!
وعن وكيع، وسفيان بن عيينة، وأبي عبد الله البخاري قالوا: “لا يكون الرجل عالمًا حتى يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه”.
حينما كنت في مرحلة الماجستير، دار حوار بين اثنين من الأساتذة، قال الأكبر منهما للآخر: “أنا أستاذك”، فأنكر الأصغر ذلك، فرد الأول “بأني كنت معيدًا وأنت ما تزال في البكالوريوس!”.
وقد طال النقاش بينهما في هذا الأمر!
وبيني وبين نفسي، وجدتني أستنكر الأمرين معًا:
– استنكرتُ على الأكبر هذا التسول المعنوي باستدعاء فضلٍ مضى، وكأن مكانته لا تثبت إلا بإلزام غيره بها.
– واستنكرتُ على الأصغر هذا الجحود الأكاديمي، إذ أن إنكار الفضل بالكلية إغفال لأدب العلم ووفاء القلوب.
وهكذا أدركت أن التوازن في تقدير الأساتذة فضيلة: لا بالمنّ والتذكير، ولا بالجحود والإنكار؛ بل بالاعتراف الصادق والامتنان الرفيع.
فرحم الله كل من علّمنا حرفًا، أو دلّنا على خير، أو بذر فينا بذرة هداية، وجزاه عنا خير الجزاء.
فالامتنان من شيم الكبار، وهو من تمام الإيمان.